للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجبال، ولا على أن يكون من نوع عنقاء مغرب، ولا على أن يكون له ألوان خاصة به، ولا على معرفة مقادير الحجارة وكيفية تأثيرها، فلله جند من كل شيء. ." (١).

يظهر هنا استفادته من الاكتشافات العلمية حول انتقال المرض عبر الجراثيم وعالم الميكروبات، ولا شك أن الله سبحانه قادرٌ على هذا وهذا، ولكن التساؤل: إذا صح التفسير المنقول على غير هذا الوجه، فلماذا الذهاب إلى هذا التفسير؟ كما أن القرآن خاطب من نزل فيهم بما يعرفونه من المعاني، وهم يعرفون معنى "الطير" ومعنى "الحجارة" ويصعب صرفها لو افترضنا عدم وجود تفسير صحيح منقول إلى هذا الوجه الذي قال به الشيخ (٢). ويهمنا هنا السبب الذي لم يُصرّح به الشيخ: فكأن سبب ميله عن التفسير المأثور هو رفض الفكر الغربي الحديث مثل هذه المعجزات الخارقة وعدم تسليمه إلا بما يتوافق مع السائد في الكون وسننه، فكأنه يرى أن هلاك طائفة بمرض ينقله ميكروب معهود عند الناس ومعروف في العلم الحديث، كما يحدث عندما يذهب جيش إلى بلد آخر لم يعتد على حشراته وأجوائه، فيصاب بالمرض وينتقل بين أفراد الجيش عن طريق العدوى، فمنهم من يموت مع أن أهل البلد لم يصبهم هذا المرض. وهذا يُظهر لنا ميل الشيخ إلى تأويل ما يمكن تأويله من القرآن، بحيث يستفيد من معطيات العلم الحديث إذا كان النص يثير إشكالًا عند المتأثرين بشبهات العصر. والكلام نفسه يقال مع المثال الأول، فإن الفكر الغربي الرافض للدين يرفض وجود أحداث لا سببية كونية لها، فلا يقبل أن هذا العالم سيتغير بأمر من الله سبحانه، بخلاف ما لو أثبتت حساباتهم الفلكية أنه يمكن حدوث خلل، مثل ظهور فرضية نقص شعاع الشمس مع الزمن، ومن ثم تجمد الأرض، فهذا دلت عليه بعض حساباتهم، فيقبلونه، ولا يهمهم لماذا هي تنقص، ومن جعلها تنقص بهذا المقدار، وإنما يكفي أنه يوجد تعليل كوني لتجمد الأرض بعد زمن. ومثله أن الثبات بين مجموعات الكواكب بسبب الجاذبية التي بينها، والشيخ هنا يستثمر مكتشفات علم الفلك الحديث. ولكن مثل هذا الحلّ يُسكّن المشكلة عند بعض


(١) تفسير جزء عم ضمن الأعمال الكاملة ٥/ ٥٠٥.
(٢) انظر: نقد سيد قطب لهذا التفسير، في ظلال القرآن ٦/ ٣٩٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>