للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يذكر "أحمد أمين" أن الشيخ محمَّد عبده "في تفسيره يحاول التوفيق بين الإِسلام ونظريات المدنية الحديثة ويتبع طرقًا من التأمل للتوفيق بين الدين والنظريات الحديثة" (١)، وبقول الدكتور "الذهبي": "كذلك نجد الأستاذ الإِمام -رحمه الله- يتناول بعض آيات القرآن فيشرحها شرحًا يقوم على أساس من نظريات العلم الحديث، وغرضه بذلك أن يوفق بين معاني القرآن التي قد تبدو مستبعدة في نظر بعض الناس، وبين ما عندهم من معلومات توشك أن تكون مسلمة عندهم أو هي مسلمة بالفعل وهو -وإن كان يرمي من وراء ذلك إلى غرض نبيل- يخرج أحيانًا بمثل هذا الشرح والبيان عن مألوف العرب وما عهد لديهم وقت نزول القرآن" (٢)، ثم ذكر من الأمثلة على ذلك مثلين وردا في أول تفسير خرج له وهو تفسير جزء عم، وهما:

الأول: في تفسيره لانشقاق السماء وانفطارها وظهور الغمام: "وهو فساد تركيبها واختلال نظامها عندما يريد الله خراب هذا العالم، كأن يمر كوكب في سيره بالقرب من آخر، فيتجاذبا، فيتصادما، فيضطرب نظام الشمس بأسره، ويحدث من ذلك غمام وأي غمام، يظهر في مواضع متفرقة من الجو والفضاء الواسع، فتكون السماء قد تشققت بالغمام واختل نظامها حال ظهورها" (٣).

الثاني: في تفسيره للطير الأبابيل التي ترمي بحجارة من سجيل في سورة الفيل، حيث قال: "فيجوز أن نعتقد أن هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض، وأن تكون هذه الحجارة من الطين المسموم اليابس الذي تحمله الرياح، فيعلق بأرجل هذه الحيوانات، فإذا اتصل بجسده دخل في مسامه، فأثار فيه تلك القروح التي تنتهي بإفساد الجسم وتساقط لحمه، وإن كثيرًا من هذه الطيور الضعيفة يعد من أعظم جنود الله في إهلاك من يريد إهلاكه من البشر، وإن هذا الحيوان الصغير الذي يسمونه الآن بالميكروب لا يخرج عنها، وهو فرق وجماعات لا يحصى عددها إلا بارئها، ولا يتوقف ظهور أثر قدرة الله تعالى في قهر الطاغين على أن يكون في الطير ضخامة رؤوس


(١) زعماء الإصلاح في العصر الحديث ص ٣٣٠.
(٢) التفسير والمفسرون، د. محمَّد الذهبي ٢/ ٥٦٧.
(٣) من تفسير جزء عم ضمن الأعمال الكاملة ٥/ ٣٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>