للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسعوا استفادتهم من ابن تيمية بخلاف من سبقهم من "حسن الطويل" إلى "محمَّد عبده" وغيرهم من مشاهير دعوة الإصلاح في الأزهر، حيث كانت استفادتهم منه تقف على رفضهم البدع العملية المحدثة حول الأولياء والقبور وغيرها.

ذكر الدكتور "بلقاسم الغالي" بأنه قد (١) دبّ الخلاف بين الشيخ "صالح الشريف" من تونس والشيخ "محمَّد عبده" في أثناء زيارة الأخير لتونس سنة (١٩٠٣ م)، وكان الشريف يخالف منهج عبده، وكان موضوع الخلاف ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب في إنكارهما زيارة القبور وزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة -هكذا، وإلا فهما لا ينكران زيارة قبر النبي، وإنما ينكران شدّ الرحال لذلك- ونهض الشيخ عبده للدفاع عن ابن تيمية مقررًا: أن خلاف ابن تيمية مع بعض أهل السنة لا يخرجه عن كونه منهم، وبأنه ينبغي أن تؤخذ آراؤه من كتبه لا من كتب أعدائه.

وبقدر ما تختلف وجهات النظر حول قيمة مشروع "محمَّد عبده" إلا أنه من أهم الشخصيات التي استشعرت المشكلات التي أثارها العلم الحديث، وأنه كان مستحضرًا لها في ردوده المشهورة، وظهرت واضحة في أثناء رده على "هانوتو" أو "فرج أنطون"، ومستحضرًا لها في أثناء تفسيره للقرآن، ونجد أحد المتحمسين للشيخ يقرر أن محمَّد عبده "أثبت أن القرآن لا يمكن أن يحتوي على تعليم يتعارض مع حقائق العلم، وأن هناك اتفاقًا بين القرآن وبين العلوم الطبيعية والكونية والفلكية، وأن هذا لا يشكل خوفًا ولا تهديدًا لقداسة القرآن بسبب واحد وهو أنه كتاب الكون والحياة والإنسان،. . . ." (٢)، ولكن أقرب الناس إليه -وهو من أخرج تفسيره- كان أول من اعترض على بعض تأويلات شيخه، فلا نشك أن العلم الصحيح والعقل الصحيح لا يعارض كلام الله سبحانه أو كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن هناك من يريد تحقيق التوافق بين القرآن والعلم عن طريق تأويل النصوص وليّها أحيانًا واعتسافها لتتوافق مع العلم، ومثل هذا العمل لا يُعد رفعًا للتعارض ودفعا له، ولاسيّما عندما يؤول الأعلى لصالح الأدنى، وإنما


(١) انظر: من أعلام الزيتونه: شيخ الجامع الأعظم محمَّد الطاهر ابن عاشور. حياته وآثاره، د. بلقاسم الغالى ص ٤٥ - ٤٦. وقد سبق الكلام عن "حسن الطويل" في الفصل الثالث.
(٢) الإمام محمَّد عبده ومنهجه في التفسير، د. عبد الغفار عبد الرحيم ص ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>