تحقق مقصود التوفيق الصحيح وتتجنب ثغراته، وفي الوقت نفسه تمنع الكسل الفكري الذي يُوجد مع أهل التوفيق السلبي، وتعيد الحيوية للأمة عندما تشعر بمشاركة العالم في صناعة العلوم بدلًا من الكسل وانتظار إنتاج الآخرين من حولنا، وينحصر دورنا بحسب أهل المنهج التوفيقي في الجمع بينها وبين الدين.
لقد كان الاتجاه (التوفيقي/ العصراني) أحد الاتجاهات التي ظهرت أثناء التحديث، وكان أحد الأجوبة المطروحة لحل مشكلات التحديث، وهو منهج فكري في المقام الأول، وكان يغلب عليه محاولة التوفيق بين الإِسلام والفكر الحديث بما في ذلك الجمع بينه وبين العلم الحديث ونظرياته. وقد انجرف هذا الاتجاه نحو الطريقة الكلامية المشهورة لكون أفراده من تلك البيئة في الأصل، وقد وقع شذوذ كبير في صورته غير العربية كما هي الحال في النموذج الهندي، بخلاف النموذج العربي الذي اختلطت الحال عند قادته ولاسيّما الشيخ الأفغاني والشيخ محمَّد عبده، الذي كان أقرب لبيئة الفكر الإِسلامي، وانصب جهدهما في الدفاع عن الإِسلام واستنهاض المسلمين، ولم ينفتح الأمر معهما لدرجة شذوذ التجربة الهندية، ولكن حدث الشذوذ مع قسم من أتباع محمَّد عبده من ميل نحو طريقة أحمد خان الهندي، وساروا على طريقته في الشذوذ، ويغلب عليهم الجهل بالعلوم الشرعية، فهم رموز فكرية ولكنهم لم يكونوا من دارسي العلوم الشرعية، فاتسع الانحراف معهم بخلاف من كان ملمًا بالعلوم الشرعية فإنهم أكثر احتياطًا. وقد برز شذوذ هذا القسم بعد ظهور تيارات التغريب الكبرى "الليبرالي والقومي واليساري" وغيرها، حيث انضم بعضهم إلى هذه التيارات أو انفصلت بعض القيادات من ذلك التيار وانضم إلى القسم الشاذ من المتأثرين بمحمد عبده، ولا شك أن الثغرات الخطيرة في فكر محمَّد عبده ومنهجه مما أسهم في اتساع انحرافهم متذرعين باتباع علم من أعلام الإِسلام.
وبعد أن عُرض تعريف بالاتجاه العصراني، ومنهجه الفكري، وطريقة تعامله مع المشكلات الفكرية الجديدة ومنها العلوم الحديثة ونظرياتها، وغلبة المنهج التوفيقي التأويلي، وآثار ذلك على الاتجاه. ويذهب البحث مع طائفة شاذة في هذا الميدان، وهم المتغربون.