للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهوى إلى منهج السلف. ومن جهة أخرى قرّب أناسًا من اتجاه العلمنة والتغريب، فهم أهل أهواء وضعف، ومنهجية تقديم العقل على النقل المعروفة عن محمَّد عبده وعن خصومه في الوقت نفسه ساعدتهم بعد تأثير التغريب فيهم للتوجه نحو التغريب تحت غطاء ديني، فليس فكر الشيخ فقط هو المؤثر فيهم؛ وإنما الأصل المنهجي الذي يحويه فكره قد فتح الفرصة لأهل الأهواء من مريديه ليتفلتوا من الإِسلام، ومعلوم بأن القادة لا يَسْلمون من أتباع فيهم أهواء يلتفون حول العَلَم البارز لكسب الشهرة وتحقيق المآرب سرعان ما تعصف بهم الأهواء بعد ذهاب العلم البارز.

إذا كان مراد التحليل السابق إقامة التوازن في الفهم فليس معناه الدفاع عن منهج الشيخ، فإقامة العدل وقول الحق لا تعني الدفاع، الدفاع لا يكون إلا عن الحق ومنهج الشيخ منهج خطير تسبب بمشكلات في التاريخ الإِسلامي، حيث صرف عقول كثير من الفضلاء إلى تفويضٍ غير صحيح، حيث هو تفويض يظن صاحبه أن ما يقابله من تصور هو انحراف، أو تأويل جَافٍ فيصرف النص عن معناه ويحرم الأمة عن حياة المدلول الحق والإيمان به، وهو منهج يدفع العقل الإِسلامي إلى الكسل، فكلما وجد مفهومًا عقليًا أو نظرية علمية تعارض الوحي، تحوّل إلى التفويض أو التأويل كونه عملًا سهلًا، وترك المهمة الصعبة في تحليل المفاهيم والنظريات ونقدها وتطويرها لتتوافق مع المفهوم الإِسلامي أو بيان عدم صحتها، ومن ثمّ إراحة العقل المسلم من تحمّله أفكارًا خاطئة في ذاتها تبلبل موقفه من الإِسلام.

ولكن هل يعني ذلك رفض المنهج التوفيقي؟ الذي يتأمل واقع تاريخ الأفكار يعرف أنه لابد من المنهج التوفيقي بشروطه الصحيحة، وأهمها ألّا يتحول إلى تلفيق، بل يكون هناك انسجام حقيقي بين الأفكار المتعارضة في الظاهر. ولكن ثغرات المنهج التوفيقي خطيرة ولاسيّما مع انسياق أغلب المائلين إلى هذا الاتجاه نحو الطريقة السائدة عند المتكلمين وهي: "أن العقل مقدم على النقل عند التعارض، والواجب بعد ذلك إما التفويض أو التأويل"، فما لم نتخلص من هذه الطريقة أو هذا القانون فسيبقى التوفيق عملًا مشتبهًا. ولمشكلات المنهج التوفيقي قام الاتجاه السلفي بنقدها واستبدالها بطريقة التأصيل، وهي رغم صعوبتها ومشقتها إلا أنها أسلم من طريقة التوفيق، وهي

<<  <  ج: ص:  >  >>