ممن لهم صلة بالغرب عبر الرحلة أو السفارة وأمثالها. نقف هنا مع التحديث لأن مساره تعطل واختلط فيما بعد بظاهرة التغريب.
الأصل في "التحديث" طلب العلوم النافعة من الغرب التي تساعد المسلمين في التقدم الطبي والصناعي والعمراني وغير ذلك، ومعلوم أن هذا النوع صعب وعسير ويحتاج إلى جهد ومشقة، وربما لهذا السبب فتَرَت هِممُ الولاة وهمم قادة التحديث -فضلًا عن أسباب كثيرة اختلطت بمشروع التحديث- عن التحديث، عندها بدأ يتسرب نوع آخر، يركز على المتعة والسهولة والإثارة دون أن يكون له فائدة، ومنه تسلل "التغريب" إلى مجتمعاتنا عبر الاهتمام بالفنون والآداب والفلسفات، فهي لا تحتاج إلى حركة وعمل، فيجلس مستهلكها على أريكته ويتلذذ بهذه الأنواع، ولكنها تحمل في طياتها أدوات تأثير خطيرة تزعزع العقول الضعيفة التي استولى عليها الجهل وقتلها التقليد والكسل المعرفي وانتشر في قلوب أصحابها أهواء خطيرة.
بدأ التحول من "التحديث" إلى "التغريب"، كان الأصل في التحديث الاهتمام بالعلوم النافعة بخلاف التغريب الذي تحول إلى الآداب والفنون والأفكار النافع منها وغير النافع مع غلبة غير النافع. كان حملة التحديث أغلبهم من المسلمين الذين أرسلهم الولاة إلى أوروبا بخلاف أوائل حملة التغريب فأغلبهم من النصارى والأقليات الدينية الأخرى، وقد اعتنى الطرفان:"المحدثون والمتغربون" بالعلم الحديث، ولكن لكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها، فبينما كان أهل التحديث همّهم العلم الأداتي: الطب والصناعة والعمران. . . .، كان أهل التغريب همهم الآداب والفنون والفلسفات والعلم ونظرياته وما له صلة بالدين والثقافة الإِسلامية وكثير مما هو من هوية الحضارة الغربية ومن خصائصها؛ وذلك أن الهدف عند مجموعة التحديث يختلف عنه عند مجموعة التغريب. همّ أهل التحديث القوة والتقدم والرقي بالجانب الدنيوي من عالمنا، أما أهل التغريب فكان همهم التخلص من الإِسلام وإحلال الثقافة الغريبة مكانه. حاجة الطرفين من الفكر الغربي تختلف باختلاف أهدافهم، لذا ركز الطرف الأول على الحقائق العلمية النافعة بينما ركز الثاني على النظريات العلمية العائمة، الأولى تُبنى عليها منافع دنيوية واضحة أما الثانية فتفتح الباب لتأملات فلسفية وعرض أيديولوجيات تدّعي العلمية يبنى عليها أسلوب الصراع مع الدين الذي يُراد التخلص منه.