ارتبط موضوع التحديث بالعلم، ومن هنا كانت النقاشات أكثر عقلانية فتدور حول: تقدم أوروبا، وأنه كان بسبب ما أخذته عن المسلمين في نهاية عصورها الوسطى، والواجب علينا استعادة مكانتنا عبر اهتمامنا بالعلم النافع، وأنه من الواجبات؛ لأنه من إعداد القوة، ويستدلون بتاريخنا العلمي، وكان تيار التحديث من أهل الإِسلام وانحرافاتهم -إن وقعت- غير غريبة داخل المسلمين؛ فهي غالبًا من النوع المعهود ونجده واضحًا مع المسلمين كـ"الطهطاوي""والتونسي" وغيرهما، فهما على مذاهب بلادهما الاعتقادية والفقهية، وللطهطاوي مؤلفاته الشرعية، ومع ذلك وقعت منه زلات وهي معهودة في تاريخنا الإِسلامي ولم تخرج عن إطارنا التراثي في الغالب.
بخلاف نصارى هذه المرحلة ممن كان في مراكز العالم الإِسلامي المهمة ولاسيّما مصر، فقد كان هوى أغلبهم غربيًا، وجاءتهم الفرصة مع مشروعات التحديث في عهد التنظيمات العثمانية الذي فتح لهم الباب أو مع تجربة محمَّد علي القائمة على تمكين غير المسلمين والاعتماد عليهم في التحديث، أو الضغط الشديد على بلاد المغرب التي فتحت باب الامتياز للأجانب، فوجدوا فرصة للحركة لا مثيل لها، تصل أحيانًا لدعمهم وتوليهم مثل ما حدث مع إسماعيل بأشا في مصر.
حلم التحديث القائم على جلب العلم والصناعة والمدنية الذي شغل بال المفكرين والساسة (الثالث عشر/ التاسع عشر) سقط صريعًا مع الاحتلال الغربي لبلاد المسلمين وانكشف ضعفه وهزاله، وظهر في الواجهة أصحاب التغريب ليطغوا على أهل التحديث، مجموعة منهم استقلّت بعاصمة دولة الخلافة وكوّنت منها دولة هي تركيا، ومجموعات أخرى بقيت في تعاون وتنافس مع المستعمر حتى خرج بعد أن مكنها خلفه.
لم ينقطع التحديث، ولا الابتعاث للغرب من أجل تحقيقه، ولكنه أصبح مُزاحمًا بالتغريب الذي وصل تأثيره إلى طائفةٍ كبيرة من أهل التحديث ووظفهم -دون أن يشعروا- لتحقيق الأهداف التغريبية فضلًا عن تدخل المستعمر في التوجيه والتأثير. وإلى هذا الحد سيقف الكلام على أهل التحديث مكتفيًا بمشاركة بعضهم تيار التغريب دون أن يشعروا بحقيقة تلك المشاركة، وأواصل الحديث مع أهل التغريب.