وتوقفوا مع آية الأعراف التي ذكرها السائل: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥)} [الأعراف: ١٨٥] بقولهم: ". . . . ولم تنزل لوضع تقعيد أو نظريات للعلوم الكونية، يرجع إليها من يريد أن يتعلم تفاصيل هذه العلوم"، ثم توقفوا مع حديث التداوي الذي ورد في السؤال بقولهم:"وأما حديث التداوي فالقصد منه الأمر بالتداوي، والتنبيه على الأخذ بالأسباب، وعدم الإعراض عنها، وبيان أن ذلك لا ينافي التوحيد؛ إذا كان المتداوي لا يعتمد على الأسباب ويجعلها الأصل في الشفاء، بل يوقن بأن الشفاء من الله، وأنه هو الذي جعل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء كما ثبت ذلك في الحديث، ولم يفصِّل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنواع الأدوية والأدواء، ولم يبين لكل داء ما يخصه من الأدوية، إلا في جزئيات قليلة، ولم يضع للطب قاعدة يتعرف منها من يريد تعلُّم الطب خواص الأدوية، وأعراض الأمراض".
ثم أعقبوا ذلك ببيان الموقف الإسلامي من العلوم الدنيوية والعقلية فقالوا: "ولكن حثهم على النظر وتعلُّم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وسخر الله لهم الكون، وأعطاهم العقل؛ ليتبصروا في ذلك، ووفَّق منهم من شاء لما شاء من إدراك أسرار الكون وعجائبه، وما فيه من الخواص والمنافع والمضار.
فعلى المسلمين أن يتبصروا في كتاب الله تعالى، وفي سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -؛ ليعلموا كمال الشريعة، ومقاصدها، وتفاصيلها، كل ذلك بقَدْر ما آتاه الله من عقل واستعداد، وما هيأ الله له من صحة وفراغ، كما أن عليهم أن يدرسوا أيضًا سنن الله الكونية في السماوات والأرض، ليعلموا ما أودع الله فيها من أسرار، وليستنبطوا منها ما شاء الله مما هم في حاجة إليه: من علوم الطب والزراعة والصناعة والفيزياء وطبقات الأرض، وغيرها من العلوم الكونية؛ ليستفيدوا منها في دنياهم، ويستعينوا بها في شؤون دينهم، ويستغنوا بها عمن سواهم من الكافرين، وبذلك يجمعون بين القوة والعزة في الدنيا، والنجاة والسعادة في الآخرة، ويصلحون للخلافة في الأرض، وعمارتها دينًا ودنيا.
وعلى ولاة أمور المسلمين من علماء وحكام أن ينهضوا بالأمة الإسلامية، وأن يرعوها حق الرعاية، ويأخذوا بأيديها إلى ما فيه الخير والصلاح علمًا وعملًا، ويوزعوا جهودها على جميع جوانب الحياة دراسةً وإنتاجًا لشتى العلوم