للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذكرهم الله في كتابه محذرًا من ذاك المرض الخبيث الذي أعمى أبصارهم وأصمّ آذانهم عن الحق، وأصبح شعارهم {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: ٢٢]، وفي الآية التي بعدها {مُقْتَدُونَ}، قال سيد قطب: "وهي قولة تدعو إلى السخرية، فوق أنها متهافتة لا تستند إلى قوة. إنها مجرد المحاكاة ومحض التقليد، بلا تدبر ولا تفكر ولا حجة ولا دليل. وهي صورة مزرية تشبه صورة القطيع يمضي حيث هو منساق؛ ولا يسأل: إلى أين يمضي؟ " (١).

والتبعية العمياء نابعة من الهزيمة النفسية والانبهار القاتل وهي حاصلة بسبب الابتعاد عن تحقيق الدين في النفوس والمجتمعات، ومن بين آثارها في موضوعنا:

البقاء طول العمر في التقليد والتبعية والبقاء في موضع أقل شأنًا من الأسياد، ويلحق بذلك عدم الحرص على المنافسة وطلب القوة وتحقيق الاستقلال المعرفي والعلمي، هناك استسلام يقتل أي طموح أو تقدم، كما أنه يُمكّن الأعداء من المسلمين، حيث ستبقى لهم السيادة والتوجيه ما بقي فينا قوم بمثل هذه الرؤية.

ويأتي خطرها الديني والفكري الأبعد شأنًا بعد ذلك: أنَّ أصحاب التبعية لا ينظرون لتراثهم ودينهم، بل أنفسهم، إلا من خلال المتبوع، أصبح هو المصدر الوحيد لمعرفتنا حول كل شيء حتى ذواتنا. وستُغطَى معايب هذه التبعية عند أهل التغريب بادعائهم أنهم ينشدون العلم في الغرب ويضعونه مصدرًا جديدًا لهم، فإن تفحصته تجده في النهاية فلسفات ومذاهب لا صلة لها بالعلم ولاسيّما فيما له علاقة بالدين وموضوعاته.

ويصعب في مثل هذه الحالة مناقشة أصحابها، مشكلة أهل هذه الحالة عميقة، يكفي معهم الإشارة إلى أزمة التبعية، مثل هؤلاء مذبذبون، فلو قامت مرجعياتهم الغربية بالعودة لمصادر ميتافيزيقية أو قامت بإعادة الاعتبار للدين، فستجدهم يتحولون خلفهم. إنهم منغمسون في التقليد الذي يذمّون به غيرهم، رغم أن غيرهم قد اعتصم بالوحي الذي لا يأتيه الباطل.


(١) في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/ ٣١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>