للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثل ذلك نجد عند الدكتور محمَّد بيومي، فما من مقطع من كتابه: "علم الاجتماع الديني" إلا وهو يتحدث عن ميزة علم الدين عن غيره من العلوم التي اهتمت بالدين، فعلم الاجتماع الديني ميزته: في بحثه عن الحقيقة وتركيزه على الموضوعية، ولو أدى ذلك إلى الاستخفاف بالوحي وبالرسل وبالدين الحق أو إهمال الاحترام له؛ لأن ذلك يتعارض مع الموضوعية، فيقول: "فعلم الدين هو ذلك العلم المستقل كلية عن اللاهوت، ويهدف إلى الدراسة الموضوعية للدين" (١)، وذلك أنه يركز على الحقائق بينما علم اللاهوت يهتم بوضع القواعد، ولذا يهمل الباحث العلمي الوحي كمصدر للمعرفة، بخلاف اللاهوتي الذي يضعه مصدر المعرفة (٢). وفي حديثه عن مراحل تطوره وصف مرحلة من المراحل بتميز عنايتها بالموضوعية حيث "أصبحت الموضوعية مطلبًا أسمى" (٣)، "وليس هناك أي حدود على الأسئلة التي قد تثار حول أي دين، اللهم إلا حدود الذاتية. . . ." (٤)، "وهكذا فإن الدراسة الحديثة للدين قد بدأت خطًا فاصلًا بين المؤرخين والعلماء من ناحية وبين رجال اللاهوت والفلاسفة من ناحية أخرى. هذا الخط الفاصل يقوم على أساس الموضوعية. . . . التي تعتبر أساسية بالنسبة للعلم" (٥)، ومن بين الأمثلة لمن يفتقد العلمية والموضوعية نجد صاحب الفلسفة الدينية، فلا يجد الباحث فيها "ما يمكن قوله سوى ترديد آراء المصلح أو الترويج والدفاع العقلي عن ما جاء به الأنبياء، وعلى هذا فهو يفتقد حرية اختيار نقطة البدء في بحثه" (٦)، ومع عدم التسليم بصحة ما يقوله صاحب الفلسفة الدينية إلا أنه أحسن حالًا من جهة تعظيمه للنبوة والدفاع عنها، بخلاف السياق هنا فصاحبه لا يجد الدفاع عما جاء به الأنبياء متوافقًا مع العلمية والموضوعية.

ولهذه الشواهد -ومثله كلام أغلب المقلدين للدراسات الغربية- دلالة عجيبة: فكأنه يقول بأن الدراسات عن الدين في الحضارة الإِسلامية، والعلوم


(١) علم الاجتماع الديني، د. محمَّد بيومي ص ٧.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٨.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ١٣.
(٤) انظر: المرجع السابق ص ١٧ وما بعدها.
(٥) انظر: المرجع السابق ص ٢٠، وانظر: ص ٤٣.
(٦) المرجع السابق ص ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>