للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصادقة، والأوامر العادلة، فكل ما اشتملت عليه الكتب، فهو حق، يفصل بين المختلفين في الأصول والفروع، وهذا هو الواجب عند الاختلاف والتنازع، أن يرد الاختلاف إلى الله وإلى رسوله، ولولا أن في كتابه، وسنة رسوله، فصل النزاع، لما أمر بالرد إليهما. ولما ذكر نعمته العظيمة بإنزال الكتب على أهل الكتاب، وكان هذا يقتضي اتفاقهم عليها واجتماعهم، فأخبر تعالى أنهم بغى بعضهم على بعض، وحصل النزاع والخصام وكثرة الاختلاف" (١).

وقال القرطبي -رحمه الله-: "ويحتمل أن تكون "كان" للثبوت، والمراد الإخبار عن الناس الذين هم الجنس كله أنهم أمة واحدة في خلوهم عن الشرائع، وجهلهم بالحقائق، لولا من الله عليهم، وتفضله بالرسل إليهم. فلا يختص "كان" على هذا التأويل بالمضي فقط" (٢)، فالاختلاف -ولاسيّما في المطالب العالية- سيبقى قائمًا ما لم يرجع الناس للوحي، ومن ثمّ فيتعذر الوصول لموضوعية في هذه الأبواب دون الاعتماد على الوحي، وكل من ادعى الموضوعية في أبواب تخص التصورات والعمليات مما يعني الإنسان والمجتمع ولم يسترشد بالوحي فسيقع في الاختلاف والتناقض، ويصعب الخروج بنتيجة يتفق عليها العقلاء. ولذا فالموضوعية الصحيحة تتحقق تمام التحقق بالعودة للكتاب والميزان الذي أنزله رب العالمين، قال -تعالى-: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: ٢٥]، وقال -تعالى-: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (١٠٥)} [النساء: ١٠٥]، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: ٤٨]، وقال -تعالى-: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧)} [الشورى: ١٧]، فهذا الكتاب قد نزل من الحق وبالحق، فلا تكون إصابة الحق إلا بالعودة إليه.

قد يوجد ما يفسر إصرار فلسفة العلم داخل الحضارة الغربية على الموضوعية -على أنها التخلص من كل تصور سابق ولو جاء من الوحي- رغم


(١) تفسير السعدي ص ٩٥ - ٩٦.
(٢) تفسير القرطبي ٣/ ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>