للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوصاف الله وكيفيتها، وما أخبرت به الرسل من ذلك، فيؤمنون بصفات الله ووجودها، ويتيقنونها، وإن لم يفهموا كيفيتها" (١).

يتميز الذين يؤمنون على الذين لا يؤمنون بالغيب، فهو قضية فاصلة، والأصل في معرفة الغيب أخذه من الكتاب والسنة، فهما مصدرًا الغيب وفيهما الكفاية، وكل بحث في قضايا الغيب بعيدًا عن الوحي فمصيره الضلال؛ لوجود مسافة شاسعة بين عظمة الغيب وبين محدودية الإنسان، ولا يعني هذا أن الخبر السماوي عاريًا من الدلالة البرهانية على المطالب الإلهية، بل إنه يحوي من الدلالة على ذلك ما يكفي ويغني عن غيره، وقد ظن البعض أن دلالة الأدلة السمعية هي خبرية فقط، بينما الحق أنها مع الخبر تحوي من الأدلة العقلية والحسية ما يكفي لإثبات المطالب الإلهية ويغني عن غيره (٢).

وقد جعل الإِسلام من الغيب قضية أساسية، وهذا الأساس يرتبط بأساس آخر -ذكره وحيد الدين خان- أنه يجب أن يعترف الإنسان بأنه مع الإيمان بالغيب أيضًا لا يستطيع أن يكتشف قانون الحياة بنفسه، {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (١١٦)} [النحل: ١١٦]، "وفي العصر الحديث اعتبروا هذين الأساسين من أساطير الدين الفاقدة للأساس العلمي. ولكن الاكتشافات العلمية الحديثة تؤكد أن الأسلوب العلمي الوحيد للإنسان هو الذي أشار إليه القرآن، ولا أسلوب آخر سواه من الناحية العلمية" (٣)، فلا دين دون غيب كما أن حياة الإنسان الحقيقية لا تقوم إلا بالإيمان بالغيب، ولا حياة سليمة وكاملة دون شرع، ونعود للغيب مع آية البقرة:

قال ابن عاشور -رحمه الله-: "مجيء صلة الموصول فعلًا مضارعًا لإفادة أن إيمانهم مستمر متجدد كما علمت آنفًا؛ أي: لا يطرأ على إيمانهم شك ولا ريبة.

وخص بالذكر الإيمان بالغيب دون غيره من متعلقات الإيمان؛ لأن الإيمان بالغيب أي ما غاب عن الحس هو الأصل في اعتقاد إمكان ما تخبر به الرسل


(١) تفسير السعدي ص ٤٠.
(٢) انظر مثلًا: لابن تيمية -رحمه الله-، الفتاوي ٩/ ٢٢٦ - ٢٢٧.
(٣) انظر: بحث لوحيد الدين خان ضمن كتاب وجوب تطبيق الشريعة والشبهات المثارة حول تطبيقها ص ٣٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>