للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القضايا الغيبية الدينية، ورمى بها لعالم مجهول تتخبط فيه العقول بفلسفاتها والعلوم بنظرياتها، فإن الإيمان بالله هو أساس كل القضايا الغيبية، وإذا سقط هذا الأساس سقط بقية الغيب، وهناك بجانب هذا الإلحاد الكلي إلحاد في الربوبية، يُثبت أصحابه وجود الرب سبحانه، ولكنهم يريدون الإيمان به كما تتوهمه عقولهم وليس كما أخبرنا سبحانه عن ذاته، فالأصل الصحيح في باب الإيمان بالله أن يكون كما أخبرنا سبحانه عن نفسه، وليس كما تتوهم عقول البشر (١)، يقول أحد المتأثرين بالتغريب والنظرة العلمية المزعومة: "وفي الوقت الذي استوعب فيه الغرب أشكالًا مختلفة للعلاقة بين الله والعالم، مثل صورة الإله الذي يحكم العالم بالرياضيات، أو مهندس العالم عند ديكارت، أو صورة الصانع الذي لا يخطئ لساعة كبرى تظل تؤدي عملها بكفاءة وثبات، هي الكون عند ليبنتس، فإن العالم الإِسلامي لا يسمح بمثل هذا التغيير في شكل العلاقة بين العالم بسهولة، ولا يدمج هذه الصورة المتغيرة التي تعمل حسابًا لتطورات العلم في إطار العقيدة الدينية كما فعل هؤلاء الفلاسفة. في حين أن كبار مفكري الغرب المتدينين يقبلون بسهولة الفكرة القائلة بأن عناصر كثيرة من الأفكار الدينية ينبغي أن تتغير نتيجة للمعرفة الجديدة التي جلبها العلم والتقنية، فإن مثل هذه الأفكار مرفوضة -من حيث المبدأ- في معظم الأوساط الدينية الإِسلامية" (٢).

[ثلاثي الانحراف]: إن إنكار الرب سبحانه أو الاعتقاد في ربوبيته بما تتوهمه العقول -وليس كما حدثنا الرب عن ذاته- يؤثران في بقية الغيب يصاحب ذلك الإغراق في الحسّ، فهذه ثلاثة أمراض: التكذيب بوجوده أو الانحراف في ربوبيته أو الإغراق في الحسّ. أما مع الأول فقد حُسم أمر الغيب معه؛ فإنه بإنكار وجود الرب لم يعد هناك مبرر للقول بغيب ديني، ومع ذلك فقد يقدمون الحجج العلمية المزعومة لنشر إلحادهم أو للدفاع عن موقفهم. أما مع الثاني وهو التكذيب بالربوبية لاسيّما في أبواب الخلق والقدرة والإرادة، فيفتحون


(١) ساد في الكتابات المعاصرة إطلاق الإلحاد على إنكار وجود الله سبحانه، ولكن معنى الإلحاد في اللغة العربية: الميل، فيكون الميل بالعقائد من الحق إلى البدعة أو إلى الكفر أو إلى الشرك هو من الإلحاد بهذا المعنى.
(٢) خطاب إلى العقل العربي، فؤاد زكريا ص ٦٩، أو الصحوة الإِسلامية في ميزان العقل، له ص ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>