للتخرصات العقلية حول صورة هذه الغيبيات، ويُدخِلون العلم الحديث طرفًا مفسرًا أو شارحًا لتصورهم عن هذه الغيبيات، ويغلب على النتائج التي يصلون إليها أنها معارضة لما جاء به الأنبياء، وبانحرافهم في باب الخلق: هربوا من إثبات خلقه للعالم المادي وعالم الحياة إلى أمور غامضة أو إلى الإلحاد، وفي باب القدرة: حيث أغرتهم السنن، فاكتفوا بتفسيرها كقوانين أو قوى طبيعية حتمية تدير العالم الصغير والكبير، دون أي إمكانية لفعل شيء فيها حتى من قبل الرب، وفي باب الإرادة حيث قيدوا هذه الإرادة بما تتخيله عقولهم. أما الثالث، فهناك أمر مشترك عند أغلب المكذبين بالغيب وهو الانحباس في عالم الشهادة، يستوي في ذلك الأمي القديم الذي يعبد صنمًا مع المتحضر المتبحر في العقليات والعلميات الذي ينكر وجود الرب والغيب، فالأول يصرّ على أن يكون إلهه محسوسًا لغلظة الحسّ عليه، والثاني ينكر ذلك للسبب نفسه، والاستغراق في عالم الشهادة والمادة والحسّ، وطول إلفه ذلك، والإخلاد إليه، يفسد على صاحبه الإيمانَ بالغيب والتصديق به، فيقع بين طرفي نقيض، فإما جلب ذاك الغيب بصور شتى إلى عالم الشهادة وإما نفي ذاك الغيب مطلقًا.
لقد طلب اليهود قبل ثلاثة آلاف سنة طلبًا مكابرًا من أبواب الغيب فقالوا لنبيهم: أرنا الله جهرة، قال -تعالى- عنهم: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (١٥٣)} [النساء: ١٥٣]، وقال -تعالى-: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥)} [البقرة: ٥٥]، يقول "وحيد الدين خان ": "وفي العصر الحديث أعيدت هذه المطالبة باسم العلم. فحين اكتشفت العلوم الحديثة كثيرًا من أسرار الكون التي لم يكن الإنسان القديم يعرفها، زعموا أن العلوم قد قضت على حدود الحواس البشرية، وأن الإنسان سيتمكن الآن من المشاهدة المباشرة لكل الأشياء الموجودة. وزعموا أنه لا وجود للأشياء التي لا تخضع للمشاهدة. . . . وحين تمكنت الأجهزة الحديثة من مشاهدة أصغر الأجسام إلى الأجرام البعيدة، ولكنها لم تشاهد الحقائق الدينية زعموا أنه لا وجود لهذه الحقائق" إلى أن قال: "ولكن القرن العشرين قد مضى على هذا المنهج الفكري بعد اكتشاف حقائق كثيرة تبطل النظريات القديمة. . . . "، ثم