عرض بعض الأفكار والاكتشافات العلمية الجديدة التي تنقض هذا الرأي، ثم قال:"وإذا كان الكون يتكون من حقائق لا نشاهد معظمها مباشرة، فما هو السبيل لمعرفة الأشياء الأخرى التي لا نشاهدها؟. . . . "لقد تقلصت دائرة التجربة في التعامل مع الحقائق الكونية الأبدية، واتسعت دائرة التأمل" وبهذا اعترف العلم الحديث أنه لابد من الإيمان بالغيب؛ أي: الإيمان بحقائق الكون بمشاهدة ظواهره"(١).
ومن بين الأمثلة على إنكار كل الغيب بحجة العلمية نجد الكلام الإلحادي لـ"هكسلي" في كتابه: "الإنسان في العالم الحديث"، فيقول:"هل يستطيع الدين أن يلقي ضوءًا على الأزمة الحالية في الدين، وعلى حلها الممكن في المستقبل؟ والحالة الخاصة التي تواجه الدين في المدنية الغربية هي ما يأتي: أن الاعتقاد في الله قد أدى كل ما يستطيع من فائدة، وليس في وسعه أن يفعل أكثر من ذلك. والإنسان خلق القوى الخارقة للطبيعة؛ ليلقي عليها عبء ما لا يستطيع فهمه. فاعتقد الإنسان البدائي في السحر، ثم في الأرواح الشخصية، ثم انتقل من الأرواح إلى آلهة كثيرة، ومن الآلهة الكثيرة إلى إله واحد. وبعبارة بسيطة انتهى التطور. والمرحلة الخاصة التي تهمنا في هذا التطور هي مرحلة الآلهة. ولقد كانت الآلهة في عصر ما من حضارتنا الغربية تخيلات ضرورية، وفروضًا نافعة تساعد على الحياة.
إلا أن الآلهة ليست ضرورية أو مفيدة، إلا في إحدى مراحل التطور. ولكي يكون للآلهة قيمة عند الإنسان، لابد من ثلاثة أشياء: يجب أن تبقى كوارث العالم الخارجي غير مفهومة، وألا يمكن منعها حتى تكون مزعجة للغاية، أو أن تكون قسوة الحياة العامة وعجزها بحيث يحولان دون تصديق أن في الإمكان تحسين هذا العالم. وعندئذ يستطيع الإله -ولا تستطيع الحياة الاجتماعية- أن يهيئ من الوسائل ما يلزم لإصلاح الحال. . . .".
ويربط بين تقدم العلم والإلحاد وإنكار الغيب فيقول: "ولقد أوصلنا تقدم العلوم، والمنطق، وعلم النفس، إلى طور أصبح فيه الإله فرضًا عديم الفائدة،
(١) من بحث لوحيد الدين خان ضمن كتاب وجوب تطبيق الشريعة والشبهات المثارة حول تطبيقها ص ٣٠٢ - ٣٠٣.