وطردته العلوم الطبيعية من عقولنا حتى اختفى كحاكم مدبر للكون، وأصبح مجرد أول سبب أو أساسًا عامًا غامضًا. ولقد أدت زيادة المعرفة إلى إدراك أن السحر عقيدة باطلة، وأن منع الكوارث لا يتحقق إلا بالعلم وتطبيقاته، وأن الطقوس الدينية التي تصحب تقديم القرابين، وصلاة الاستغفار، عديمة المعنى. وأن تحليل العقل البشري، وما كشفه عن قدراته على رسم الخطط وإشباع الرغبات، وما كشفه عن العقل الباطن والكبت، يجعل ألا داعي للاعتقاد بأن الانحراف وما إلى ذلك يرجع إلى قوة روحية خارجية، وأنه ليس من العلم في شيء أن ننسب التوفيق في الأعمال إلى هداية من الله. ولقد أدى المنطق اللاهوتي إلى الاعتقاد بوحدانية الله، وهذا غير مفهوم، ومن بعض النواحي أقل قيمة عملية من الشرك!
"وإذا سلمنا بوجود إله من أي نوع، فالنتيجة المنطقية لذلك، الاعتقاد بوحدانية الله. ولكن لم هذا الاعتقاد في وجود الله؟ ولماذا الاعتقاد في كائنات خارقة للطبيعة لها صلة بمصير الإنسان وأمانيه؟ ويتوقف الاعتقاد في وجود الله على تشخيص الظواهر غير الشخصية، والتشخيص مقدمة للاستدلال على وجود إله. ولكن هذا ليس إلا مجرد فرض. وأنه إذا كان مفيدًا في العصور الأولى، فإنه الآن غير مفيد. ثم إنه يثير من الصعاب أكثر مما يحل. ويجب على الدين -لكي يستمر عنصرًا مهمًا في حياة المجتمع- أن يتخلى عن فكرة الله. أو على الأقل يقصيها إلى مركز ثانوي، كما حدث للسحر الذي سيطر على العقول في الزمن الماضي.
"والإله، والآلهة، والملائكة، والجن، والأرواح. وغيرها من الأشياء الصغيرة الروحية من عمل الإنسان، وناشئة حتمًا عن نوع من الجهل، ودرجة من العجز أمام بيئته الخارجية.
وبإحلال المعرفة محلّ الجهل في هذا الميدان، وزيادة سيطرة على بيئته نتيجة لتفكيره، يتلاشى الإله كما تلاشى الشيطان قبله، وآلهة الدنيا القديمة، وجنيات الغابات والبحيرات، والأرواح المحلية" (١).
(١) الإنسان في العالم الحديث، هكسلي ص ٢٢١ - ٢٢٣، وانظر: مقومات التصور الإِسلامي، سيد قطب ص ٥٢ - ٥٣، وانظر: جدلية القرآن، د. خليل أحمد ص ١٥٨ - ١٦٠، وهو ممن يستعيد مثل هذه المقولات بنوع من الحماس، وقد استعرض "وحيد خان" مقولات "هكسلي" ونقدها في كتابه: الإِسلام يتحدى ص ٢٥ وما بعدها.