للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعرفة العلمية العلمانية، فعلينا الرجوع إلى أصولها التي بُنيت عليها، ومن أهمها بحسب الباحث الإِسلامي طه عبد الرحمن أصلان: "لا أخلاق في العلم، ولا غيب في العقل"، والمشكلة أنهما قد تسربا في نمط المعرفة الغربية، مما يجعل أخذها دون فحص ونقد، يعد في غاية الخطورة، من جهة إمكانية تسرب هذين الأصلين الخطيرين إلى ثقافتنا (١).

ومقتضى الأصل الثاني الذي له علاقة بموضوع الغيب: "أن لكل واحد -أو جماعة- أن يُركب من العلاقات ويقيم من البنيات ما شاء ما عدا أن تكون بعض العناصر المرتبطة بهذه العلاقات أو الداخلة في هذه البنيات لا تفيد تحقيقاتُ التجربة الحسية ولا تقديرات العقل المجرد في الإحاطة بكنهها أو بوصفها" (٢).

وقد تفرع عن هذا الأصل المبدآن المشهوران الآتيان:

"أ- مبدأ السببية: وهو يقضي بأن يكون لكل ظاهرة سبب محدد؛ ولما كان القول بالسببية يلزم منه أن "الجواز" لا محل له في الممارسة العقلية المشترطة في العلوم، آثرنا أن نسمي هذا المبدأ "مبدأ السببية الجامدة"، حتى نفرق بينه وبين مبدأ آخر يأخذ بسببية "حرِكة" "بكسر الراء" تزدوج فيها الضرورة بالجواز، كما يزدوج فيها التوجيه الذي يضبط العلاقة السببية، إذ تكون هذه العلاقة موجَّهة من لدن المسبَّب كما هي موجهة من لدن السبب، وإن اختلفت صورةُ هذا التوجيه من أحدهما إلى الآخر.

ب- مبدأ الآلية: ينص هذا المبدأ الثاني على أن كل ظاهرة لا تحددها إلا أوصاف وخواص خارجية يمكن أن نراقبها ونضبطها ونتصف فيها بطرق مقررة؛ ولما كان القول بالآلية يلزم منه أن الممارسة العلمية تُنزل كل شيء منزلة الظاهر الذي ينبغي التحكم فيه، ولا تتطلع إلى ما وراءه من الدلالات الخفية ولا إلى ما بَطَن من الأسباب الممتنعة عن المراقبة الآلية، اخترنا أن نطلق على هذا المبدأ اسم "مبدأ الآلية المسبَّبة"، حتى نفرق بينه وبين مبدأ ثان يأخذ بآلية "موجَّهة" "بفتح الجيم" يتزاوج فيها التحكم في ظاهر الأشياء مع الاحتكام إلى باطنها،


(١) انظر: سؤال الأخلاق، طه عبد الرحمن ص ٩١ - ٩٢، وانظر: أفي الله شك، د. حمد المرزوقي ص ١٢٢.
(٢) سؤال الأخلاق ص ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>