للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي قد خلق أو هو مما سيأتي عليه الخلق مع الزمن، قال -تعالى-: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٨]، قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "قوله -تعالى-: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ذكر قوم من المفسرين: أن المراد به عجائب المخلوقات في السماوات والأرض التي لم يُطَّلع عليها" (١).

والآن أستعرض بعض الآيات القرآنية حول تنبيه الإنسان للنظر في المخلوقات، وأثر ذلك في الإيمان بالغيب وأهمه الإيمان بالله سبحانه وتحقيق عبوديته، لنكشف فيها طريقة القرآن في الرد على منكري الغيب أو المنحرفين فيه.

ومن المناسب في هذا الباب الافتتاح بكلام مهم للشيخ العلامة الشنقيطي -رحمه الله- حول مثل هذه الآيات، ومن ذلك قوله -رحمه الله- في تفسير قوله -تعالى-: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: ١٠١]: "أمر الله جل وعلا جميع عباده أن ينظروا ماذا خلق في السماوات والأرض من المخلوقات الدالة على عظم خالقها، وكماله، وجلاله، واستحقاقه لأن يعبد وحده -جل وعلا-. وأشار لمثل ذلك بقوله: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} الآية [فصلت: ٥٣]، ووبخ في سورة "الأعراف" من لم يمتثل هذا الأمر وهدده بأنه قد يعاجله الموت فينقضي أجله قبل أن ينظر في ما أمره الله -جل وعلا- أن ينظر فيه لينبه بذلك على وجوب المبادرة في امتثال أمر الله -جل وعلا- وذلك في قوله -تعالى-: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} الآية [الأعراف: ١٨٥] " (٢).

وقال -رحمه الله- في آية {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} من سورة [النحل: ١١]: "اعلم أن النظر في هذه الآيات واجب، لما تقرر في الأصول "أن صيغة الأمر تقتضي الوجوب إلا لدليل يصرفها عن الوجوب". والله -جل وعلا- أمر الإنسان أن ينظر إلى طعامه الذي به حياته، ويفكر في الماء الذي هو سبب إنبات حبه -من أنزله!؟ ثم بعد إنزال الماء وري الأرض من يقدر على شق الأرض عن النبات وإخراجه منها!؟ ثم من يقدر على إخراج الحب من ذلك النبات!؟ ثم من يقدر على تنميته حتى يصير صالحًا للأكل!؟ {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ}


(١) زاد المسير لابن الجوزي ٤/ ٣٢٨.
(٢) أضواء البيان ٢/ ٤٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>