لقد نبه الله سبحانه على أمرين من خلقه بأكثر من أسلوب، والعاقل عند إحسانه النظر فيهما، يستسلم لله سبحانه، ويقر بوجوده وربوبيته وألوهيته، ويتوجه بقلبه إليه، ويقر بالغيب الكبير، وهما:"السماوات والأرض". والغالب أنه يراد منها جانبها المادي المحسوس، و"الإنسان" الذي يمثل الكائنات الحية، ومن ذلك قوله -تعالى-: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (٣٦)} [الطور: ٣٥ - ٣٦]، وقوله -تعالى-: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (٥١)} [الكهف: ٥١]، وقوله -تعالى-: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣)} [فصلت:٥٣]، ففي آيتي الطور تنبيه لكل عاقل بسؤالين مهمين عمن خلق البشر وخلق السماوات والأرض، فمن تفكر في هذين الخلقين لابد أن يصل لحقيقة واحدة، أن الله هو الخالق. وعندما خلق الله الإنسان والسماوات والأرض لم يُشهد المنكرين ولا الضالين، وما نعرفه إنما هو بالخبر أو بما أرانا الله في الآفاق والأنفس. والمقصود أن هذين العالمين المخلوقين "الإنسان والسماوات والأرض" فيهما من الدلالة على خالقهما ما يكفي لكل عاقل نظر فيهما، ولهذا يأتي ذكرهما كثيرًا في القرآن، ليعلم المعتبر بهما أن القرآن حق، وما فيه من غيب حق، وكفى بالله شهيدًا.
وعالم المخلوقات المشاهدة تدل على الخالق، وتدل على الغيب المخلوق
(١) انظر: الفهرس الموضوعي لآيات القرآن الكريم، محمَّد مصطفى ص ٥٧ - ٨٣.