للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأضافت أوروبا لهذا الدين الذي اعتنقته علما ورثته عن اليونان، لاسيّما ما تبقى من التركة الأفلاطونية والأرسطية، وهذه التركة خليط من الفلسفة والمنطق والعلم والأدب، وغيرها.

وقد كان أثقل ما ورثته إنتاج أرسطو، الذي حدث له تعديلات كثيرة أشهرها ما قام به الفيلسوف والقديس عندهم "توما الإكويني"، حيث دمج التركة الأرسطية -الفلسفية والعلمية والميتافيزيقية- باللاهوت النصراني، وقبلت الكنيسة الكاثوليكية هذه التركيبة فيما بعد (١)، ومنذ ذلك الحين تغلغل الفكر الأرسطي في النصرانية المحرفة ولاهوتها الكلامي وتمكن من الفكر الغربي الوسيط، وبرزت هذه التركيبة تحت شعار التوفيق بين الدين والفلسفة أو بين الدين والعقل، ومن ثم جعل الفلسفة خادمة للدين اليهودي أو النصراني، وقد عرف هذا في أغلب فلسفات تلك المرحلة.

وعادة ما تذكر كتب "تاريخ الفكر" سيطرة فلسفة أرسطو ومنهجه وعلمه على الفكر الأوروبي في العصور الوسطى وما بعدها، حيث تحول ذلك العصر إلى عصر شارح لفكر أرسطو، لاسيّما بعد دمج تركة أرسطو بالمعتقد النصراني، ومن ثمّ إلزام الناس باعتقاد ما فيها والتحذير من الخروج عليها، وأي تجديد لتلك التركة سيكون محصورًا في إعادة الجمال لها دون تجاوزها. وقد امتد ذلك إلى ما بعد الثورة العلمية، فمصطلحات أرسطو هي السائدة على مدى ثمانية عشر قرنًا تقريبًا (٢)، ويُتهم من يحاول الخروج عن الإرث الأرسطي بالتجديف


(١) عاش (توما الإكويني) زمن (فردريك الثاني)، ففي زمن حكمه تحمس أساتذة الجامعات للفلسفة الأرسطية وفلسفة ابن رشد، فعرفها توما، ثم انتقل إلى باريس، وتتلمذ على يد ألبرت الأكبر الذي غرس في قلبه حب أرسطو، وأقام توما بعد ذلك فلسفته معتمدًا على فلسفة أرسطو. وقد أُمر بعد ذلك بتدريس فلسفة توما في جميع المعاهد الكائوليكية، وبسبب ذلك أصبح أرسطو معدودًا بين الكاثوليك واحدًا من الآباء أو يكاد، وبات نقده يقرب جدًا من الكفر.
انظر: توماس الإكويني، كامل محمد عويضة ص ٣٢ - ٣٤، وموسوعة الفلسفة، بدوي ١/ ٤٢٦ وما بعدها، ومقدمة في علم الاستغراب، حسن حنفي ص ١٥٤ - ١٥٦، و (أما الكنيسة فقد قررت أن نظام أرسطو -توماس ضروري لضمان صدق العقيدة)، العلم في التاريخ، برنال ٢/ ٨٩، وتاريخ الفكر الأوروبي. .، رونالد، ترجمة الشيباني ص ١٨ ص ٢٦.
(٢) انظر: بنية الثورات العلمية، حاشية الفصل الأول ص ٢٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>