كله في هذا الباب، ولا عجيب في ذلك؛ لأنّ قضية الغيب من أعظم قضايا الدين، ولهذا جاء التدليل عليها بهذه الطريقة القرآنية في أغلب سور القرآن لما لها من أهمية.
وقد وقف بعض العلماء حول هذه الآيات ودلالاتها العقدية ومنهم من أفرد لها كتابًا كابن القيم -رحمه الله- في كتابه:"مفتاح دار السعادة"، ومن المعاصرين نجد كثيرًا من ذلك في كتاب القاسمي:"دلائل التوحيد" وكتاب محمَّد العدوي: "آيات الله في الآفاق والأنفس - طريقة القرآن في العقائد"، وكتاب:"الأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد" لسعود العريفي، وهو من أهم ما وجدته من الكتب المعاصرة في هذا الباب، وقد استفدت من بحثه واستنباطاته، ولا شك في مكانة كتابيْ: الرازي قديمًا وطنطاوي جوهري حديثًا في تفسير القرآن "مفاتيح الغيب - التفسير الكبير" و"الجواهر في تفسير القرآن الكريم" حول هذا الموضوع، لولا أنّ فيهما توسُّعًا يخرج بالآيات عن مقاصدها.
وهناك جانب آخر من هذا الباب اهتم به بعض المسلمين لاسيّما من المعاصرين: وهو كشف عجائب خلق الله التي توصّل إليها العلم الحديث، فبعد التطور العلمي، ولاسيّما ما حدث من تطور كبير في عالم الأجهزة التي فتحت الأعين على عالم عجيب من عالم المخلوقات وما يتبع تلك الاكتشافات من محاولات لفهمها من قبل العلماء المتخصصين في ذلك، فظهر في المكتبة الإِسلامية كتابات كثيرة عن عجائب خلق الإنسان وبقية الكائنات الحية من حيوان ونبات، وعن عالم الغازات والسوائل والجمادات، وعن العالم الصغير الذي لم يُكتشف إلا في هذا العصر: عالم الخلية وعالم الذرة، والعالم الكبير الذي تهتم به الفيزياء الكونية وعلم الفلك كالأرض والفضاء.
الاستدلال بعالم المخلوقات المادية والحية على منكري الغيب:
وإن إقامة الحجة على منكري الغيب بعالم الخلق قائمة في كل زمان ومكان، ومع كل أحد، وصدق الله العظيم القائل: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣)}، فإنه مع التغيرات الفكرية الحديثة، ولاسيّما في بروز ظاهرة الإلحاد وظاهرة الكفر بالغيب التي شاع أمرها، جاء من الكشوفات العلمية في