للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآفاق والأنفس ما يقيم الحجة على كل مكذب وملحد، وصدق الله: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.

وفي ما يلي عرض نوعين من هذه الكشوفات الجديدة التي اكتفى مكتشفوها بالعمل عليها دون السير معها إلى نهاياتها المنطقية -سوى قلة- وهو الإيمان بالله والإقرار بالغيب والتصديق به، الأول يتعلق بعالم المادة والثاني يتعلق بشيء عن الحياة.

فبعد أن عُرض شيء من طريقة القرآن أنتقل إلى بابين مهمين، فيهما دلالة عظيمة على الغيب، وهما رغم سعة علم العلماء فيهما لم يصلوا إلا للقليل، وقد قال -تعالى-: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥]، قال الشيخ الشنقيطي -رحمه الله-: "ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه ما أعطى خلقه من العلم إلا قليلًا بالنسبة إلى علمه جل وعلا؛ لأن ما أعطيه الخلق من العلم بالنسبة إلى علم الخالق قليل جدًا. ومن الآيات التي فيها الإشارة إلى ذلك قوله -تعالى-: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (١٠٩)} [الكهف: ١٠٩]، وقوله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧)} [لقمان: ٢٧] " (١)، ويقول د. التكريتي: "إن حدود المعرفة هذه يثبتها العلم نفسه. فإمكانات الإنسان في المعرفة تتضاءل عند الغوص في أعماق الذرة، أو الإبحار في الفضاء الكبير. فالمجهول يحيط به من جانبين: جانب الدقائق "العالم الصغير"، وجانب الفضاء الواسع "العالم الكبير"" (٢)، وسننظر الآن إلى حجم ما يصل إليه البشر رغم تطور العلم وأجهزته ومناهجه.

* * *

ثانيًا: دلالة عالم المخلوقات المادية على الغيب:

١ - العالم الصغير المادي:

توصل العلم في أول العصر الحديث إلى أن الذرة هي أصغر مكون للمادة، وقد كان للذرة صلة بالتصور اللاهوتي القديم الذري وموضوع الجزء


(١) أضواء البيان ٣/ ٦٢٦.
(٢) حبات المعرفة. . . .، د. محمَّد التكريتي ص ٤٠ - ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>