للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي لا يتجزأ، ثم وقع تطور مذهل مع تطور أجهزة العلماء التي تساعدهم على اكتشاف هذا الجانب الصغير، وكان يُظن أنه بسيط الصورة والعمل، ولكن الاكتشافات التي تزيد مع تطور الأجهزة كشفت لنا عالمًا مدهشًا، مع أنه عالم يحتاج لتكبير إلى ملايين المرات، إلا أن هذا العالم الصغير جدًا فيه من العجائب والأسرار ما يفتح القلب للإيمان بخالقها ومدبرِ أمرها، ومسخرها سبحانه. فلقد نشأ علم جديد مع هذا العالم الصغير، سمي "علم الكم" وهو يرتبط بالنظرية الكمية التي تعتني بالعالم الصغير (١).

ومن عجائب هذا العالم الصغير من خلق الله سبحانه أنه يصعب دراسته، مع أننا أمام ذرة واحدة فقط، ولهذا تقوم ميزانيات كبيرة لا تستطيع دولة واحدة على نفقتها بل دول غنية، كما لا يستطيع عالم واحد، بل فرق عمل كبيرة وحاصلة على تحصيل علمي خاص في العلوم الحديثة من تخصصات مختلفة، ومع ذلك تبقى نتائجهم محدودة في هذا الباب، مع أنهم محصورون في دراسة هذا العالم الصغير عبر دراسة ذرة واحدة منه، ومن ذلك اشتراك الدول الأوروبية (١٩) (دولة) في بناء مختبر لدراسة هذا العالم الصغير، فأقاموا سنة (١٩٨٩ م) أكبر المعجلات للدقائق الذرية في العالم، يتألف من أنبوب دائري من الألمنيوم يبلغ طوله (٢٧ كيلومتر)، مدفون في نفق قطره (٣.٨ متر) تحت سطح الأرض على عمق (١٠٠ متر)، وتدور فيه الدقائق الصغيرة ملايين الدورات وبسرعة عالية وإن كانت أقل من سرعة الضوء، وتوجد حول الأنبوب أربعة كواشف لقياس ما يحصل عند اصطدام هذه الدقائق بأخرى، ويبلغ حجم الكاشف الواحد حجم بيت كبير، ويزن عدة آلاف من الأطنان، وتكاليفها باهظة جدًا، ومع ذلك فما اكتشف من هذا العالم الصغير ما زال قليلًا، وقد دخلت أمريكا في مشروع مماثل لبناء هذا المعجل، ثم ألغي المشروع سنة (١٩٩٣ م) بسبب تكاليفه الباهظة (٨ بليون دولار) بعد إنفاق بليوني دولار على مرحلته الأولى (٢).


(١) انظر: الفصل الأول من الباب الأول حيث سبق الحديث عنها، وانظر: حبات المعرفة، د. محمَّد التكريتي ص ١٢٧ وما بعدها، أيضًا ص ٢١٧ وما بعدها.
(٢) انظر: حبات المعرفة. . . .، التكريتي ص ٤٧ - ٤٨، والمشروع الأمريكي ص ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>