ومدهشًا، وهو العالم المادي الذي يتوقع العالم بساطته وسهولة عمله، ثم كشفت لنا الأجهزة الحديثة سذاجة التصور البسيط عن المادة، والحال أوسع مع الكائنات الحية، وفي كل شيء له آية تدل أنه الواحد، ومن الجميل أن نختم بمثال عجيب من عالم المادة، وهو الندف الثلجية، فقد نشاهد سقوطها، ونظن أنها ذات شكل واحد ثم سقطت كنقاط بيضاء جميلة تغطي الأرض، ولكن عندما تفرغ لها باحث، فكبرها وصور لنا تلك الندف، وبعد تكبيرها ظهر ما يُبهر الألباب ويدفعها لتسبيح المولى سبحانه.
يوضح الشكل المرفق التنوع المدهش في أنماط الندف الثلجية، وكلها تستند إلى الشكل السداسي. والندف الثلجية الاثنتا عشرة المبينة في الشكل تظهر في كتاب "البلورات الثلجية" " snow crystals"، وهو كتاب يحتوي على ألفي شكل لندف ثلجية بذل د. أ. بنتلي في تصويرها غاية جهده وعنايته طوال مدة تقرب من خمسين عامًا، ويقدم و. ج همفريز لهذا الكتاب بالنظرة التأملية الآتية: إن الثلج، الثلج الجميل، الذي يصفه الشاعر النشوان بأنّه غطاء الشتاء النظيف الأملس للغابة والحقل، ما برح منذ قديم الزمن يتحدى الأقلام أن تصفه، والفراش أن ترسمه وتصور آثاره العجيبة. والجمال الذي تشيعه في النفس أصغر ندفة منه أو أصغر بلورة تسبح بتؤدة بين السماء والأرض لا يقل عن ذلك سحرًا، وهو يلح علينا بإصرار؛ لأنه لا يقتصر على أن يحرك فينا الاستجابة للرقة والأناقة، التي تجعل منا بشرًا، بل يثير أيضًا رغبتنا وحب استطلاعنا في معرفة كيفية وسبب وجود هذه الجوهرة بالغة النقاء ذات الجمال الفائق والأشكال التي لا حصر لها.
ومصممو المنسوجات والفنانون يستوحون الأفكار من فهرس الندف الثلجية الذي وضعه بنتلي، ويستعينون بما يسميه همفريز "معرض الطبيعة الدائم للزخرفة التوشيعية وتصاميم الجواهر والحلي".
إن صغرى العواصف الثلجية تُسقط على الأرض تربليونات من الندف الثلجية، وربما كانت كل ندفة منها فريدة من نوعها، وما من أحد استطاع حتى الآن أن يفهم مجمل العمليات والظواهر الفيزيائية لكيفية تشكل الندف الثلجية، وإن كان جيمز الذي يعمل في مركز الفيزياء النظرية في سانتا باربرا، قد وضع لها، بعد سنوات طويلة من العمل المضني، نموذجًا رياضيًا يبعث على التفاؤل.
فهل تستطيع آليات الطبيعة أن تفسر جمال الندف الثلجية، أو زبد البحر،