للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا دخلنا الخلية وجدنا فيها النواة، ونجد في النواة الجينوم البشري المكون من ٢٤ صبغية "كروموسوم"، طول هذه الصبغيات مجتمعة ٣.٢ بليون نوتيدة، مترتبة بانتظام ودقة متناهية، ويشابه الجينوم الكرة الأرضية، والصبغيات تشابه القارات في هذه الكرة، وتأتي بعدها الأقطار، والبلدان، وبعدها المحافظات، وبعدها البلدات، وبعدها الشوارع والبيوت التي تعد أصغر وحدة قياس، وهذه النوتيدات وحدة البناء الأساسية التي تدخل في تركيب جزيئات الـ"د. ن. أ" أو "ر. ن. أ" (١).

إن العالم السابق المدهش بكل هذه الأرقام الفلكية تتم عملياته المعقدة في حيز صغير يُكبّر ملايين المرات حتى يمكن رؤية شيء منه، أو الإحساس به إن لم نره وإنما نعرفه بشيء من آثاره، ثم هذه الجينات المدهشة تحوي وظائف تقوم بها بدقة عجيبة، وعند الخلل في العمل داخل ذلك العالم المجهري تحدث أمراض خطيرة. وهذا الخلق العجيب الخفي الذي يعمل بدقة عجيبة دلالة عظيمة من دلالات الآفاق والأنفس التي دلنا الله عليها، فتقوم الحجة على الخلق، ليعلموا أن ما جاء به الأنبياء من الغيب هو الحق، فهذا العالم الخفي العجيب الذي عُرف اليسير منه يدل أن الغيب يحيط بنا من كل مكان، وأن من كذّب بالغيب فقد كذب بكل حقيقة من حوله؛ لأن الوجود الحقيقى هو للغيب، وما عالم الشهادة إلا شيء صغير مما أذن الله بانكشافه لنا (٢).

وفي خاتمة المبحث تذكير بأهم معالمه، وفيه بيان بأهمية الغيب في التصور الإِسلامي، وبيان معناه، وأقسامه، ثم الانحراف في الغيب وارتباط ذلك بالانحراف في الربوبية، لاسيّما مع ظاهرة الإلحاد التي عرفها الفكر الغربي الحديث، وارتباط دعاويه بالعلمية، ثم تحدثت عن الأصول المنهجية للتكذيب بالغيب ذات الصلة بالعلم الحديث وفلسفته، مثل الآلية والحتمية والسببية الجامدة والطبيعة والصدفة والعلمية الحسية والأسطورة وغيرها، ثم ختم البحث بذكر شيء من الردود على منكري الغيب من خلال نوع واحد مهم من الأدلة التي جاء القرآن على ذكرها كثيرًا، وهي نفس ما برع العلم الحديث في كشفه؛ أي:


(١) انظر: المرجع السابق ص ٤٠.
(٢) وانظر: المزيد حول هذا في ظلال القرآن ٢/ ١١١٨ - ١١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>