للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي هو طريقة العلوم التجريبية ومعيارها. ومثل هذا جوابه المشهور هو أن عدم الدليل المعين على موضوع لا يعني عدم هذا الموضوع، فإن عدم الدليل المعين لا يدل على عدم المدلول المعين، وإنما السؤال: هل دلّ العلم على استحالته أو على نفيه؛ لأنه على النافي مثل ما على الثبت، وهم حجتهم هنا فقط عدم دلالة العلم عليه.

ويقع الغلط هنا من اختزال العلم وطرق تحققه بطريق واحد هو الطريق التجريبي، وهذا قد يُفهم عند من لم يعرفوا النبوة. أما من أكرمهم الرب سبحانه برسول وبكتاب، فعندهم طريق أعلى للعلم. ومن الأمور التي يقبلها العقل أن العلم بابه واسع وأدلته كثيرة، وأن الحق لا يمكن أن تتعارض فيه الأدلة، ولكن لا يشترط أن تدل على كل موضوع من موضوعاته كل الأدلة، إنما المهم أن يوجد دليل عليها، فإن الإِسلام يطالب بالدليل على أمور الدين، ويطلب من المكذبين دليلهم على ما كذبوا به، قال -تعالى-: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١١١)} [البقرة: ١١١]، قال الشيخ السعدي: "وهكذا كل من ادعى دعوى، لابد أن يقيم البرهان على صحة دعواه، وإلا فلو قلبت عليه دعواه، وادعى مدع عكس ما ادعى بلا برهان لكان لا فرق بينهما، فالبرهان هو الذي يصدق الدعاوى أو يكذبها، ولما لم يكن بأيديهم برهان، عُلِمَ كذبهم بتلك الدعوى" (١).

وقال -تعالى-: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤)} [الأنبياء: ٢٤]، قال الشيخ السعدي: "أي: حجتكم ودليلكم على صحة ما ذهبتم إليه، ولن يجدوا لذلك سبيلًا بل قد قامت الأدلة القطعية على بطلانه، ولهذا قال: {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي}؛ أي: قد اتفقت الكتب والشرائع على صحة ما قلت لكم، من إبطال الشرك، فهذا كتاب الله الذي فيه ذكر كل شيء، بأدلته العقلية والنقلية، وهذه الكتب السابقة كلها، براهين وأدلة لما قلت.

ولما علم أنهم قامت عليهم الحجة والبرهان على بطلان ما ذهبوا إليه، علم أنه لا برهان لهم؛ لأن البرهان القاطع، يجزم أنه لا معارض له، وإلا لم


(١) تفسير السعدي ص ٦٢ - ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>