يكن قطعيًا، وإن وجد فيه معارضات، فإنها شبه لا تغني من الحق شيئًا.
وقوله:{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ} أي: وإنما أقاموا على ما هم عليه، تقليدًا لأسلافهم يجادلون بغير علم ولا هدى، وليس عدم علمهم بالحق لخفائه وغموضه، وإنما ذلك، لإعراضهم عنه، وإلا فلو التفتوا إليه أدنى التفات، لتبين لهم الحق من الباطل تبينًا واضحًا جليًا ولهذا قال:{فَهُمْ مُعْرِضُونَ} " (١).
فطريقة المتغربين المكذبين بشيء من الغيب لعدم دلالة العلم عليه طريقة فاسدة، فهي من جهة تقوم على تقليد الملحدين الذين كفروا بالنبوات وشكوا فيما بين أيديهم من الوحي، ومن جهة تقوم على اختزال العلم في المحسوس فقط، وهو حتى عند من لم يعرف النبوة يبقى في دائرة الاحتمال، فكيف وهي أمور تواتر ذكرها عند البشر، وجاء الوحي بخبرها، فامتلأ القرآن بالحديث عنها بأصرح خطاب، فما يبقى بعد ثبوت الدليل عليها إلا الكفر المحض.
لقد دلّ الخبر على أمور الغيب، وقد بثّ الله في الخبر كل أنواع الأدلة التي تثبت لكل عاقل يطلب الحق صحة موضوعات الغيب، وقد نشأ في العالم الإِسلامي علم خاص يهتم بسلامة الخبر وصحته وهو علم السند، وهو علم اختصت به أمة الإِسلام فلا يُعرف عند أي أمة في الأرض، وهو علم عظيم ودقيق لا يسمح لأي خلل أن يؤثر في الخبر، وكل المحاولات التي قامت لإفساد الخبر أصابها الفشل، ومن نظر في هذا العلم وتأمل فيه لعلم أن هذا العلم العجيب ما ظهر إلا لحكمة عظيمة، حتى يحفظ الخبر ويحفظ بحفظه الدين.
إذًا فأمور الغيب التي لم يدل عليها العلم الحسي لا يصح نفيها إلا بدليل، ومن فساد الرأي ومن التعالم أن ينفي النافي ما لم يعلمه دون دليل، وقد ذمّ الله