للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الجن فهم خلق آخر من خلق الله، خلقهم الله من نار، وهم مكلفون مثل البشر، فمنهم من كفر مثل إبليس وأتباعه، ومنهم من آمن، وقد جاء في ذكرهم وذكر إبليس آيات كثيرة (١)، قال -تعالى-: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (٥٠)} [الكهف: ٥٠]، وقال -تعالى-: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩)} [الأحقاف: ٢٩]، وقال -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦]، وقد جاء فيهم سورة من سور القرآن، قال -تعالى- في أولها: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١)} [الجن: ١]، وغيرها من الآيات.

وما من بابٍ من أبواب الغيب إلا ووقع الانحراف فيه ممن هجر مشكاة النبوة، وغَلُظ عنده الحسّ، فإن في الغيب ابتلاء للبشر، ومن عادة الكثير نفي ما لا يحسون به وربما تكذيبه، فمن حكّم عقله القاصر أو حسّه الغليظ في مثل هذه الأبواب وقع في مزالق عظيمة، ولذا كان من وصف المؤمنين أنهم يؤمنون بالغيب، قال -تعالى-: {الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)} [البقرة:١ - ٣]، فقد جاءهم أنبياء صادقون مُصَدّقون، وأوحى الله إليهم من علم الغيب، ومنهم رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -، قال -تعالى-: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤)} [آل عمران: ٤٤]، وقال تعالى-: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩)} [هود: ٤٩]، وقال- تعالى-: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢)} [يوسف: ١٠٢]، وكل ما جاء من الغيب المطلق عن طريق الأنبياء هو من الغيب الذي لم يكن للبشر أن يصلوا إليه من دون الأنبياء.

وقد اتسع أمر التكذيب في زمننا المعاصر، لاسيّما داخل التيارات الفكرية المتغربة العلمانية، فمنهم من حكّم عقله وحسّه في مثل هذه الأبواب فكذّب بأمر


(١) انظر حول هذا الباب مثلًا كتاب: عالم الجن والشياطين، د. عمر الأشقر.

<<  <  ج: ص:  >  >>