للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسان وقيمه وموازينه .. فذلك وحده أنفع للبشرية وأهدى" (١).

أمثلة على الانحراف حول الملائكة والجن:

يقدم الدكتور -"غيبة"- تأويله الخاص للملائكة والجن بما يتفق مع العلم من جهة، وبما يحقق هدف الدين من جهة أخرى، ولكن يظهر في النهاية أنه ينفي هذين الأمرين بحجة عدم موافقتها للعلم والعقل، فيقول عن تأويله إنه: "يتفق مع المعقول عن طريق الاستنتاج من النصوص المقدسة ذاتها، من غير تزييف أو تحريف، بل مع الاحترام الكامل لنصوص الدين الحنيف، إنما بالخروج عن التفسير الحرفي أو المادي واللجوء إلى التأويل العقلي الذي يتفق مع مقاصد الشرع ومراميه، ويتجنب الوقوع في فخ اللامعقول ومآخذه" (٢).

إن هذه دعوى لا حقيقة لها كما سنرى، فإن البارز هو "التزييف والتحريف وعدم الاحترام لهذه النصوص حول هذه المغيبات" وبُعده عن الذي جاء به الأنبياء -عليهم السلام-، حيث سيطرح فهمه من النصوص الذي يتفق بحسب رأيه "مع علم النفس وعلم الطبيعة"، فكأن علم النفس يناسب تفسير الجوانب الغيبية بصورة نفسية، أما الطبيعية فهي أداة رفض لعالم الغيب عمومًا، والاكتفاء بالنظر للقوانين التي كشفها علماء الطبيعة (٣)، وبهذا يصل إلى نفي حقيقة الملائكة وحقيقة الشيطان والجن، فجانب الطبيعة أداة لرفض هذا الغيب؛ لأنه في نظرهم لا حقيقة إلا لها، فقد أعماهم المحسوس وأغراهم وفتنهم عن حقيقة عالم الغيب، ومن أجله أُوّلت الملائكة والجن إلى معنى نفسي أو رمزي، فالمعنى النفسي للملائكة "الإلهامات الحاملة للأفكار والميول الخيرة" في الإنسان، والرمزي "هو ميول البدن إلى مصيره الطبيعي، كالموت، وميول الطبيعة إلى الحركة كهبوب الرياح وهطول الثلج والأمطار. فهي صلة الوصل بين القوى الطبيعية المحرّكة "الأسباب العلمية"، والقوى الطبيعية المنُفذة "كالرياح والأمطار"، وأمثلتها الملائكة عزرائيل وميكائيل وإسرافيل. فهذه الأسماء رموز لتلك القوى الطبيعية المحرّكة للأنواء. والملائكة في جميع الأحوال تُعبّر عن قوى ذاتية خيّرة في


(١) في ظلال القرآن ١/ ٥٩.
(٢) هكذا تكلم العقل، د. حيدر غيبة ص ٢٥٦.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>