للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسان، نفسية وبدنية، ومثلها على سبيل الاستعارة في الطبيعة. هذا هو الفهم العقلي للملائكة، وهو لا يطرح أي إشكالية؛ لأنه يتفق مع علم النفس وعلم الطبيعة. ." (١)، وفي المقابل يكون الشيطان ممثلًا لنوازع النفس الأمارة بالسوء، فوجوده بهذه الصفة معنوي، ومن قبيل وسوسة النفس، وكذا حال الجن (٢).

ومن الصور التغريبية المغالية في إنكارهما تحت ذريعة معارضة العلم في الظاهر -إنما ماركسية في العمق- نجد صادق العظم، ومن ذلك قوله: "هل يفترض في المسلم في هذا العصر أن يعتقد بوجود كائنات مثل الجن والملائكة وإبليس، وهاروت وماروت، ويأجوج ومأجوج، وجودًا حقيقيًا "غير مرئي أحيانًا" باعتبارها مذكورة كلها في القرآن، أم يحق له أن يعتبرها كائنات أسطورية مثلها مثل آلهة اليونان وعروس البحر والغول والعنقاء؟ يا حبذا لو عالج الموفقون بين الإسلام والعلم مثل هذه القضايا المحددة. . . ." (٣).

يجعل منها "العظم" قضايا لا يقبلها العلم، وأدلة على التعارض بين الدين والعلم، بينما كل عاقل يعلم عدم وجود معارضة هنا؛ لأن كل ما في الأمر أن نوعًا من العلم لا يستطيع إثباتها، وليس كل العلم، فهذا -إذا تركنا جانبًا مشكلة مرض القلب- من الاختزال الفاسد لمفهوم العلم على نوع واحد، وهو الحسي، بينما العلم أوسع من ذلك، وأعلاه العلم النبوي، وليس المقصود هنا المناقشة والرد، فمثل هذا الصنف يكفي بيان التلاعبات التي يقدمونها، فهم يقصدون فقط إثارة الشبه والتلبيس على الخلق، لاسيّما عندما يصل التبجح والإنكار لمثل هذا الحدّ، فيضع ما يتفق الناس على أنه أسطورة مقابل ما يتفق أغلب الناس ممن عندهم كتاب على أنه حقيقة.

يتفق النموذجان بإنكار حقيقة الملائكة والجن بالاستناد للعلم، إلا أن الأول يؤوّلهما والثاني يُكّذب بهما، ويقف حسن حنفي في كتاباته نفس الموقف من هذا الباب العظيم، فهو يراها تلفظ بألفاظ لا يوجد شاهد حسي عليها، فيطالب بإلغائها (٤)، وفي هذا السياق يأتي إنكار الوحي أو تأويله للسبب نفسه.


(١) المرجع السابق ص ٢٥٢ - ٢٥٣.
(٢) انظر: المرجع السابق، حول الشيطان ص ٢٥٥، وحول الجن ص ٢٥٧.
(٣) نقد الفكر الديني، د. صادق العظم ص ٢٦.
(٤) انظر: التراث والتجديد ص ١٢١ ص ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>