للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي عرفها الغرب، لم تحقق هدفها؛ حيث انحط معها الإنسان في دركات، مما دفع بفلاسفة معاصرين أن يتكلموا على موت الإنسان، وما ذاك إلا بالخلل الكبير الذي أقام تعارضًا بين الإيمان بالله والعناية بالإيمان وبين العناية بالإنسان، بينما الحق أنه كلما زادت عناية الناس بالإيمان الحق حفظت كرامة الإنسان وظهرت سعادته.

يحيل أركون في عمله الجديد مع الوحي على مناهج كثيرة فيقول: "إنّ ظاهرة الوحي لم تعد مسألة تخصّ علماء اللاهوت والتيولوجيا فحسب، وإنما هي أصبحت" تخص المؤرخ، وعالم اللسانيات، والدلالات، وعالم الاجتماع، وعالم النفس، ورجل القانون، وعالم الإنتربولوجيا (١).

مما نجده من ميدان العلوم التي يتابعها هذا البحث ميدان العلوم الاجتماعية، لاسيّما علم النفس والاجتماع والإنتربولوجيا، وقد استعان بها أركون من أجل دراسة الوحي، ومن بين ما تطرحه مثل هذه العلوم قبول الوحي في صورها المعاصرة باعتباره ممثلًا للبعد الأسطوري، وهو بعد لم تعد الدراسات الاجتماعية المعاصرة تستهين به، بل تجده مهمًا للإنسان كأهمية العقل، فالإنسان لا يعيش بالعقل وحده، بل بالوجدان أيضًا، ولا يعبر الوحي هنا عن حقائق موضوعية وإنما هو تعبير مجازي أخّاذ ومؤثر، وعن ذلك يقول مترجم "أركون" حول موقف المسلمين من قرآنهم: ". . . . وبالتالي فلا يمكن أن يحتوي على معرفة خيالية أو قصصية بالمعنى المثالي للكلمة. ولكن الدراسة الألسنية المتأنية للقرآن تكشف عن امتلائه بالمجازات الرائعة التي تخلب العقول. والمجاز هو أداة المعرفة الخيالية أو الشعرية أو القصصية. ولكن المسلم التقليدي ينكر وجوده؛ لأنه يقرأ القرآن قراءة حرفية ويرفض أن يحتوي كتاب الله على أي لغة مجازية أو شعرية. وهذا موقف لاهوتي وليس موقفًا علميًا أو ألسنيًا" (٢)، ويعيد "أركون" الفضل في إعادة التوازن بين "الجانب الأسطوري


(١) انظر: الفكر الإِسلامي نقد واجتهاد، د. محمد أركون ص ١٩٤، وانظر: الإِسلام، أوروبا، الغرب، د. محمد أركون ص ١٩٦، كلاهما من ترجمة هاشم صالح.
(٢) معارك من أجل الأنسنة. . . .، محمد أركون ص ٢٩٣، ومن كلام المترجم هاشم صالح في الحاشية.

<<  <  ج: ص:  >  >>