للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجازي" وبين "الجانب الوضعي العقلي العلمي" إلى الإنتربولوجيا الثقافية (١).

يُميّز "أركون" مشروعه بالتعامل المباشر مع الأصل، مع الوحي، مع القرآن، وهو وإن كان ينتقد المنهج الاستشراقي إلا أنه ينتقد فقط توقفهم على العمل الفللوجي والتاريخي، بينما هو يأخذ مادتهم ويسير بها لخطوات أكثر انحرافًا، فمن جعل عمدته المادة الاستشراقية فقد أسس نشاطه على شفَا جُرُفٍ هار، فيزيد على تلك المادة الاستشراقية اللغوية والتاريخية تطبيقات من ميدان العلوم الاجتماعية ويلحقها بنقد فلسفي، ولكن كل ذلك لن يتم إلا بعد تحويل الوحي لمعنى جديد من اختراع أركون حتى يتقبل منهجياته، فقد عرض الوحي كما صوره القرآن من خلال آيتي [الشورى: ٥١ - ٥٢]، ولكنه لا يقبله، فأدخل أدواته المنهجية لتحويله إلى صورة بشرية لا علاقة لها بالوحي (٢)، فهو الذي سيحدد صورة الوحي كما يريد حتى يتوافق مع منهجيته؛ لأن الوحي كما هو لا يتقبل مثل ذلك العبث باسم المناهج العلمية، وذلك بتحويله إلى ظاهرة لغوية وثقافية، فيصف بحثه حول الوحي: "وهذا البحث، فيما يحاول تجنب كل التحديدات الدوغمائية واللاهوتية الموروثة، ويجعل ممكنًا فهم الوحي بصفته ظاهرة لغوية وثقافية قبل أن يكون عبارة عن تركيبات تيولوجية أو لاهوتية" (٣)، فإذا حول الوحي لظاهرة لغوية وثقافية؛ أي: بصريح العبارة: إلى ظاهرة بشرية، يقول مترجمه عنها: "أركون يعتبر الوحي ظاهرة مثله في ذلك مثل الظواهر الطبيعية كسقوط المطر، أو هبوب الرياح أو أية ظاهرة أخرى. . . ." (٤)، عندها يمكن دراسته بالمناهج العلمية المختلفة واللغوية، ويوصل ذلك لنتائج خطيرة منها:

"فإنه يمكننا القول بوجود وحي في كل مرة تظهر فيها لغة جديدة، وتجيء لكي تعدّل جذريًا من نظرة الإنسان عن وضعه. . . . إن الوحي يعني حدوث معنى جديد في الفضاء الداخلي للإنسان. ." (٥).


(١) انظر: المرجع السابق ص ٢٩٤.
(٢) الفكر الإِسلامي. . . . ص ٧٨ - ٧٩.
(٣) المرجع السابق ص ٧٨.
(٤) القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني ص ٩٨ من الهامش.
(٥) الفكر الإِسلامي. . . . ص ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>