للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- قبل خمسين ألف عام: ظهور الإنسان العاقل "الحالي"، بدء تشكل الجمهرات البشرية وهجرتها" (١).

فمثل هذا العرض يقفز على ما ورد ذكره في الوحي، ولا ينتبه له، كما أن في العرض شيئًا من إهمال بعض معاني الربوبية باستثناء ما يذكره من رعاية الله لنوع من التطور الموجه، فهو يسير وفق تطور عجيب، ويمكن أن يكون ذلك صدفة، فيذكر الرب هنا كتفسير لمثل هذا التطور. كما أن المشكلة تتعمق مع التصور عن الجانب الديني من الموضوع والجانب العلمي فيه، فقد عرض الكاتب في أكثر من موضع تجاور الرؤيتين الدينية والعلمية لكن النتيجة في النهاية للمتأمل هي للعلم الوضعي، فبعد عرضه لنظرية الانفجار العظيم ذكر استنتاجًا له أهميته -كما يقول- للفكر البشري "ونعني بذلك تلازم الإيمان والعلم وتناسقهما في سيادتيهما على الفكر البشري، ومن ثمّ غياب أي تناقض جوهري بينهما. وعلى الرغم من أن لكل من الإيمان والعلم سيادته الخاصة على عقل الإنسان ومنحى تفكيره، فإن الطراز المعياري للانفجار الأعظم "أو خلق الكون" يوحد هذه السيادة، التي هي ظاهريًا فقط ذات شقين، إنما في كينونة واحدة. فكلما تعمقنا في فهم الحقائق العلمية، كلما اقتربنا من الإيمان أكثر، وما من تفسير إلا وبعده تفسير أعمق" (٢).

وفي محاولته بحث سبب التعارض في هذا الباب يقول: "وربما يعود التناقض الظاهري بين الإيمان والعلم إلى حرفية التفسير. فقراءة الخطاب الإيماني يجب أن تكون رمزيًا وليس حرفيًا. وما إن نقرأ نصوص الإيمان، ونفهمها فهمًا حرفيًا، وليس على أساس أنها إشارات ورموز، حتى نقع ضحية تناقضات لا سبيل إلى حلها، ليس مع العلم فحسب، وإنما مع الإيمان نفسه، وحتى مع أنفسنا. وكذلك هي الحال في العلم، فإن اعتقادنا أن قوانينه قادرة على تفسير كل شيء، تبعدنا ليس عن الإيمان فحسب، إنما عن العلم نفسه، وتقربنا كثيرًا من حدود الجهل بحقيقة الأمور" (٣).


(١) التطور الموجه، د. هاني رزق ص ٨٤ - ٨٥ ضمن كتاب الإيمان والتقدم العلمي، وتفصيلها نفس الكتاب ص ٢٧ - ٨٤.
(٢) التطور الموجه ص ٣٧. وانظر: ص ٨٧ - ٨٨.
(٣) المرجع السابق ص ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>