للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في السهول للصيد ظهرت اللغة، فهو قبلها كان مثل الحيوانات دون لغة، ومع وسائل المعرفة ومع اللغة كبر الدماغ، وقد أدى اجتماعهم للصيد والرعي والزراعة في تكوين مجتمع نمت فيه عادات وخرافات، وفي هذه المرحلة جاء الإيمان بالله، وقبلها لم يكن هناك إيمان به كما أنه لم يكن له لغة، وذلك أن الصيد خطر، والصائد عرضة لأن يكون فريسة ما يصيد، فعمّ الخوف الصائدين مما حملهم على التشبث بأية عقيدة تلهمهم الاطمئنان، ومعها ظهر الإيمان بالغيبيات (١)، وكما يقول: "وجد البشر، منذ شرعوا يفكرون، أنهم في حاجة إلى الإيمان بغيبيات تقوم مقام الاقتناع بالمنطق؛ لأن وسائل المنطق لم تكن مكملة لديهم. ولذلك سلموا أو آمنوا بأشياء كثيرة، بما أسموه "ما وراء المادة". ومهما يكن اختلافهم في هذه الغيبيات فإنهم أجمعوا على اتخاذ عقائد ارتضوها ووجدوا فيها طمأنينة أو وسيلة للخير والعدل" (٢)، وهذه الغيبيات هي ما يريد الاتجاه التغريبي المتطرف هدمها، وقد اتخذ مثل هذه النظريات لهدمها، وهو لا يفرق بين الغيب الحق الذي جاء به الأنبياء، وبين الغيب الذي اخترعته عقول الناس؛ لأنهم أصلًا لا يقرون بدين أو بأنبياء، وبهذا فهم يتبنون مثل هذه النظريات ليس لعلميتها، وإنما لمثل هذه الأبعاد الفكرية القائمة على الرغبة في هدم الدين والغيب، يقول أحدهم عن انعكاس مثل هذه النظريات على "موسى": "اكتشفنا أن انعكاس نظرية التطور على الحركة الفكرية المصرية، هو "التفريج الكظوم"، هو "الانتقام"، هو الثورة العارمة على الغيبيات والثقافة الدينية" (٣).

باب خلق آدم -عليه السلام- وأصل الإنسان:

بحسب الأمثلة السابقة يأتي الإنسان في مرحلة متأخرة، يستوي في ذلك صاحب النظرة المتحفظة وصاحب النظرة المتطرفة، فبعد ملايين السنين تكونت المجموعة الشمسية وأرضها، ثم ولدت فيها الحياة، وكانت البداية بالنبات ثم الحيوان ثم الإنسان. ويتفق الجميع على إهمال قصة خلق آدم -عليه السلام- أو إنكارها،


(١) انظر: ما أصل الإنسان؟ .. ص ٦ - ١٦.
(٢) المرجع السابق ص ١١٦.
(٣) ويقصد بالمصرية هنا التغريبية منها ولكن التعميم هنا له فائدته عندهم، وذلك أثناء حديثه عن "سلامة موسى". سلامة موسى وأزمة الضمير العربي، د. غالي شكري ص ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>