فهذا حدث غيبي لا يمكن للبشر معرفته إلا عن طريق الوحي، ومن نفاه من الملحدين فحجته فقط أنه لا يستطيع إثبات ذلك بعقله أو بالحس، ومعلوم أن ذلك غير ممكن للبشر، فحجة الملحدين هنا هي عدم دلالة الدليل المعين، وقد سبق أن عدم دلالة الدليل المعين لا تعني عدم المدلول المعين، ويدخل مع ذلك بقية الغيبيات المطلقة مثل: العرش واللوح المحفوظ والقلم وبقية المخلوقات السماوية.
وإذا عدنا لمشكلة المتغربين في هذا الباب فقد كانت بحق أول مشكلة أثاروها ونالت شهرة كبيرة، وذاك يختلف عما حدث في الغرب، فقد كانت أول نظرية سببت الإشكال في الغرب هي نظرية الفلك الجديدة، ومنذ ذاك الوقت والسائد في العقلية الغربية توقع التعارض بين الدين والعلم، وقد استغل الاتجاه الإلحادي المادي مثل هذه الثغرة لجعل كل ما ينتمي للحقل العلمي له القوة نفسها، والتي تتميز بها الحقائق العلمية، فكلما ظهرت نظرية تنتمي للعلم وخالفت الدين، رفع الماديون عقيرتهم: ها هي المشكلة القديمة نفسها تتكرر، مع العلم أنه ليس كل ما ينتمي لمجال العلم هو من العلم، ففيه ما هو طرح مؤقت أو مبدئي ويحتاج لمزيد من البحث والتحقق، وبقي الأمر على هذه الحال حتى جاءت نظرية التطور الدارونية التي وقع لها من الشهرة ومن التأثير ما لم يقع لغيرها، وأثارت من الصراع والجدال ما لم يثره غيرها، وربما هذا دليل واضح على الثغرات التي فيها، فلو كانت حقيقة علمية بيّنة يمكن التحقق منها ما وقع كل ذلك الصراع، بل ما ظهر من دائرة العلم ذاته من يرفضها كل ذاك الرفض القاطع، وعندها يبقى الإصرار على نشرها مما يدل على البعد المذهبي والأيديولوجي أكثر من الجانب العلمي.
وكما يقول "أورخان علي": "وهناك ظاهرة تلفت النظر في موضوع نظرية التطور؛ لأن هذه النظرية خرجت من كونها نظرية علمية قابلة للصواب أو الخطأ، إذ تحولت إلى "أيدلوجية" يدافع عنها أنصارها، ولا يترددون حتى في