للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيام بعمليات تزوير مشينة من الناحية العلمية والأخلاقية، وهذا ما لا نراه في النظريات العلمية الأخرى، فلا نرى عالمًا في الفيزياء أو في الكيمياء أو في أي علم من العلوم يقوم بعملية تزوير لإثبات صحة نظريته أو صحة القانون الذي اكتشفه؛ لأن غاية العلم هي الوصول إلى الحقيقة. بينما نرى أن عمليات التزوير العلمية منحصرة في موضوع نظرية التطور فقط"، ثم استعرض بعض هذه العمليات التزويرية (١)، ومن بين الأسباب لمثل هذه التحمس كما يذكر بعض الغربيين عدم وجود بديل عنها سوى البديل الديني القائل بخلق الإنسان، يقول أحد الغربيين: "إن نظرية النشوء والارتقاء غير ثابتة علميًا ولا سبيل إلى إثباتها بالبرهان. ونحن لا نؤمن بها إلا لأن الخيار الوحيد بعد ذلك هو الإيمان بالخلق الخاص المباشر، وهذا ما لا يمكن حتى مجرد التفكير فيه" (٢).

وقد كانت هذه النظرية أول نظرية دخلت العالم الإِسلامي بقوة، وأحدثت لفترة طويلة مشكلات كبيرة داخل الفكر العربي والإِسلامي (٣)، وفي النظرية جوانب إشكالية وإلحادية خطيرة، وهذه الجوانب منها تجذب مرضى القلوب، فمعلوم أن النظرية برزت في إطار مادي علماني، وقد امتدت الرؤية المادية إلى مكونات كثيرة من هذه النظرية، لاسيّما مع الدارونية المذهبية، ومن ذلك: إنكار خلق آدم -عليه السلام- صراحة أو هو من لازم النظرية، وإنكار مبدأ الخلق ذاته، والقول بفاعلية للطبيعة ذاتية مستقلة عن خالقها، والقول بالصدفة لتفسير عدد من الثغرات التي لا يجدون لها جوابًا، والقول بتطور لملايين السنين من بداية الخلية الأولى إلى الإنسان الحالي، ومن آثارها الخطيرة عدم التفريق بين الإنسان الذي خلق في أحسن تقويم وبين الحيوان، وما ترتب على ذلك من أبعاد أخلاقية خطيرة، وغيرها من المشكلات (٤)؛ أي: أن الذي ترتب على النظرية قضايا كثيرة، ولم


(١) حقيقة الخلق ونظرية التطور، محمَّد كولن، من مقدمة المترجم أورخان ص ٨.
(٢) مصرع الدارونية، محمَّد يوسف ص ٣٨، عن: الإِسلام يتحدى ص ٤٣، وانظر: الموسوعة العربية العالمية، ٢٥/ ٢٥٥.
(٣) يمكن النظر لكثير مما قيل حول أصل الإنسان في الفكر العربي في كتاب: (أصل الإنسان بين العلم والفلسفة والدين، د. سامي عابدين)، وفيه جمع مميز قد لا يوجد عند غيره، وفيه لفتات مهمة قد يحتاجها أي باحث في هذا الميدان.
(٤) لقد برز عدد من المفكرين الأتراك بكتابات نقدية مهمة في هذا الباب، ويأتي "هارون =

<<  <  ج: ص:  >  >>