هذا غير متصور، وكان تصوره أشدّ من نفي تصور المعجزات" (١)، ونجد التنبيه القرآني الأعلى شأنًا على هذا المعنى في قوله -تعالى-: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)} [يس: ٧٨ - ٨٣]، فقد عجز أن يتصور الأقل مع أن الأعظم منه أمام عينيه، ومثل ذلك في قوله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦) لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٥٧)} [غافر: ٥٦ - ٥٧].
[٢]- أما فساد التصور حول الربوبية، فيأتي من الانحراف في تصور القدرة، فبعضهم قد ترك الامتثال للوحي في باب الإيمان بالله وصفاته وأفعاله، وتأثروا بمقولات المعطلين الحديثة والقديمة، ومن ذلك تأثرهم بما شاع في الفكر المادي حول الطبيعة التي لا يمكن خرقها، ومن قال بخرقها فقد خالف العلم بحسب زعمهم. فهؤلاء عَظُمت عندهم الطبيعة حتى أصبحت هي التي تحدد قدرة الله، بينما يقوم التصور الإِسلامي على الانطلاق من الوحي في بيان صفات الله وأفعاله، فنعرفه بالطريق التي عرفنا بها بذاته وبصفاته سبحانه، ومن عظم عنده الإيمان بالله علم أنه هو خالق الكون وهو المسخر له والمدبر له وواضع السنن التي يسير بمقتضاها، وهو القادر على خرق تلك السنن متى شاء لحكمة هو يعلمها سبحانه.
قال الشيخ السعدي: "آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وما يخرقه الله من الآيات، ومن تغيير الأسباب، أو منع سببيتها، أو احتياجها إلى أسباب أخر، أو وجود موانع تعوقها هي من البراهين العظيمة على وحدانية الله، وأنه على كل
(١) المرجع السابق ص ٢٥، وقد استعرض الدكتور مفرح القوسي جهود الشيخ مصطفى صبري في مقاومة هذه الأفكار بخاصة وغيرها في بحثه المميز: الشيخ مصطفى صبري وموقفه من الفكر الوافد، وانظر: مناقشة العقاد لنفاة المعجزة بحجج علمية عصرية: التفكير فريضة إسلامية ص ٧٩ - ٨٦، وانظر: أفي الله شك، د. حمد المرزوقي ص ١٢٣ - ١٢٥.