للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض علوم الكون، وأنكروا ما سوى ذلك، وزعموا أن هذا العالم وهذا النظام الموجود فيه لا يمكن أن يغيره مغير، أو يغير شيئًا من أسبابه، وأنه وجد صدفة من غير إيجاد موجد، وأنه آلة تمشي بنفسها وطبيعتها، ليس لها مدبر ولا رب ولا خالق، وهؤلاء جميع أهل الأديان يعرفون مكابرتهم ومباهتتهم؛ لأنهم كما عدموا الدين بالكلية فقد اختلت عقولهم الحقيقة، إذ أنكروا أجلى الحقائق وأوضحها، وأعظمها براهين وآيات، وتاهوا بعقولهم القاصرة وآرائهم الفاسدة، هؤلاء أمرهم معلوم" (١).

وقد ناقش الشيخ مصطفى صبري أمثال هؤلاء كثيرًا، واستأنس في الرد عليهم ببعض مقولات العقلاء الغربيين الذين عاصروا فتنة الإلحاد وإنكار المعجزات التي كانت من أدلة النبوات، ومن تلك الأقوال ما نقله عن شيله وريتجه: "إن الإيمان بالمعجزات لا ينفك عن الإيمان بالله"، وهي حقيقة مهمة؛ لأن من شك في المعجزة أو أنكرها، فذاك مؤشر على مشكلة تتعلق بالإيمان بالله.

ونقل عن "استوارت ميل" قوله: "إن من لا يؤمن بموجود فوق الطبيعة، ولا بتدخله في شؤون العالم، لا يقبل فعل إنسان خارق للعادة على أنه معجزة، ويؤوله مطلقًا بما يخرجه عن كونه معجزة، لكن إذا أومن (٢) بالله فلا يكون تأثيره في العالم وسلطته عليه فرضية محضة بل احتمالًا جديًا. والحكم بعد تدخل الله في شؤون العالم إنما يمكن بمعرفة السنة الإلهية في الماضي، أو بمعرفة ما يلزم منطقيًا أن تكون السنة الإلهية كذلك" (٣).

ونقل عن "استانلي" وهو منطقي إنجليزي: "القدرة التي خلقت العالم لا تعجز عن حذف شيء منه أو إضافة شيء إليه، ومن السهل أن يقال عنه: إنه غير متصور عند العقل، لكن الذي يقال عنه: إنه غير متصور ليس غير متصور إلى درجة وجود العالم". وعلق الشيخ: "يعني: لو لم يكن هذا العالم موجودًا، وقيل لمن ينكر المعجزات ولا يتصور وجودها: سيوجد عالم كذا، كان جوابه: إن


(١) تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام، عبد الرحمن السعدي ص ١٨٣ - ١٨٤.
(٢) هكذا هي (أومن) وكأن الأنسب: آمن.
(٣) القول الفصل بين الذين يؤمنون بالغيب والذين لا يؤمنون، الشيخ مصطفى صبري ص ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>