القول بحقيقة واحدة هي المادة والمادية، وأسس عليها مفهوم الطبيعة الأزلية الأبدية، التي لا موجد لها سواها، ومن ثمّ لا تغير فيها ولا تغيير حتى من خالقها؛ لأنه لا خالق لها عندهم، ولذا ارتبط إنكار المعجزات بالملاحدة، وإنكارهم لها مرتبط أصلًا بإلحادهم وليس بالحقائق العلمية (١). وهؤلاء مهما بلغت عقولهم وعلومهم وحقائقهم فهم من أرذل الخلق وأحطهم بصيرة، إذ قد أنكروا أشرف حقيقة وأعظمها فكيف يُقبل قولهم أو يُوثق في رأي لهم، ومع ذلك فسيتخذهم الشيطان مطية لبثّ الإلحاد ونشر الشبهات، ومقاومتهم واجبة إذا أثّرت شبهاتهم على الخلق. ومن خطر أمرهم انتشار بعض مفاهيمهم الإلحادية داخل فلسفة العلم الحديثة، ومن ذلك مفهوم الطبيعة التي لم يخلقها أحد والتي تسير بقوانينها الخاصة التي لا يمكن حدوث أي خرق لها. وهذا مُتفِق مع مذهبهم الإلحادي، فإذا كانوا لا يؤمنون بالله فمن غيره يستطيع خرق سنن الطبيعة؟
فهذا هو النموذج الفرعوني الحديث، الذي ينكر أعظم الحقائق وأصرحها وأوضحها، ومع ذلك فقد جادل نبي الله موسى -عليه السلام- من هو مثلهم، فقد جادله موسى -عليه السلام- وكشف كفره وكذِبه. ومع الإلحاد الحديث يظهر أهمية مواجهته من قبل المسلمين ودفع شبهاتهم التي قد تتسرب للمطلعين على العلوم العصرية ممن ليس عندهم معرفة شرعية، فيسبق لقلوبهم شيء من هذه الشبهات فتؤثر فيهم.
وإن كان قد حدث انحسار للإلحاد الفج الذي برز في القرن التاسع عشر، لاسيّما بعد تهاوي المفاهيم الفلسفية المعتمدة على العلم الطبيعي التي أسسوا عليها إلحادهم، كما سبق ذكر ذلك في الباب الأول، ومع ذلك فما زالت شبهاتهم تسبح في ميدان الأفكار، ويستثمرها بعض الكارهين للإسلام أو للدين من أجل تشويهه، مما يدفع لأهمية الحذر.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: إن "الزنادقة المتأخرين الذين أنكروا وجود الباري، وأنكروا جميع ما أخبرت به الرسل والكتب السماوية من أمور الغيب، ولم يثبتوا من العلوم إلا ما وصلت إليه حواسهم وتجاربهم القاصرة على
(١) انظر: القول الفصل بين الذين يؤمنون بالغيب والذين لا يؤمنون، الشيخ مصطفى صبري ص ٧٨.