للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى برد وما شابه ذلك؛ أو بتعبير آخر: يقبل وقوع المتقابلات المتضادة على شيء واحد وفي الوقت نفسه، كأن يكون اللون الأبيض أسود، ويكون الحار باردًا" (١)، وهذا من باب التأثر بالدراسات الإنسانية التي تهتم بالإنسان وقت جهله وقبوله للخرافة والأسطورة، ومن ذلك قوله بالمتناقضات وقبوله للمستحيلات، وقد وجدوا في النماذج المنعزلة في إفريقيا وأمريكا وغابات آسيا من قبائل تقوم على أساطير عجيبة وطقوس غريبة، ثم جعلوا هذا النموذج هو كمن جاءهم الأنبياء أعلم البشر بأعظم علم (٢)، وشتان بين النموذجين، قال -تعالى-: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (٤٩) قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠)} [الأنعام: ٤٨ - ٥٠]، وقال -تعالى-: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: ٩].

ومع مثل هذا الإنكار لوجود معجزة بسبب هذه الطبيعة الصلبة يأتي التكذيب بمعجزات الأنبياء وتأويلها بتأويل لا يقبله عاقل من الكفار فكيف يأتي مثل ذلك من مسلم! حيث تحول تلك المعجزات إلى سخافات وتقدم تلك السخافات باسم العقل: "ترى ما هو تأويل مُعجزتَي تحول العصا إلى حية أو ثعبان وصيرورة يد موسى بيضاء؟ إن ما يستخلصه العقل من المعجزة الأولى أنّ موسى أتقن فنون السحر وأنه استخدم هذا الفنّ ضد خصومه. . . . أما إخراج اليد البيضاء فله احتمالان: إما أنه مصاب بالبرص، أو أنه وجد صبغة بيضاء لوّن بها يده (٣). ومن عجائب مدّعي العلمية والعقلانية أن يأتي منهم ما يكشف سخافة آرائهم وبعدها عن منطق العقل، ومن ذلك مثل هذا التأويل الذي قدمه عن معجزتَي موسى -عليه السلام-، وحقيقة قوله أن موسى -عليه السلام- لم يأت بأية معجزة، وإنما تعلم فنون السحر، والحيل السريعة، وخفة اليد، والحركة السريعة الخاطفة، "لقد


(١) المرجع السابق ص ٣١.
(٢) لذلك مزيد في الفصل الثاني من الباب الثالث.
(٣) هكذا تكلم العقل ص ١٢٨ - ١٢٩، وانظر: ص ٢٢٦ - ٢٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>