للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخرى، فقد تعصب المؤرخون الأوروبيون فترة اشتداد الروح القومية في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر (١)، إلا أنه في القرن الرابع عشر/ العشرين ظهرت دراسات لشخصيات غربية مشهورة -أكاديميًا وعلميًا- تُبيّن الأثر الكبير للحضارة الإسلامية في الثورة العلمية الحديثة، وأن هناك نقلة كبيرة حدثت للغرب بعد احتكاك أهلها بعلوم المسلمين وحضارتهم (٢).

والعجيب بأن التيار التغريبي العربي يُغمض عينيه عن مثل هذه الحقائق، وإن تناولها فبحذر شديد وعلى استحياء، بل قد يهاجم من يتحدث عنها من كُتاب المسلمين، وكأنهم لا يريدون أن يُحسب للمسلمين مأثرة في هذا العلم، بينما تظهرُ في الغرب دراسات متلاحقة تركز على مناقشة هذه القضية وتفتح الحوار الأكاديمي حولها.

لقد اتخذ تعرّف أوروبا على الإسلام والمسلمين -في أواخر عصرها الوسيط، ثم فترة النهضة والإصلاح الديني إلى بدايات العصر الحديث- عدّة صور، وصاحبَ ذلك تكوين رؤية ذهنية في عقول الأوروبيين، ويهمنا الآن -في هذا اللقاء الحاسم والتاريخي بين أوروبا والإسلام أو بين الغرب والشرق- موقفهم من دين المسلمين وعلومهم النقلية والعقلية، وصلة كل ذلك بالتطورات الكبرى التي حدثت في عصر أوروبا الحديث، وأهمها باب الثورة العلمية.

منذ أن دخل الإسلام إلى أوروبا بداية القرن الثاني الهجري عن طريق بلاد الأندلس فإنهم لا يجهلون وجود المسلمين، ولاسيّما قياداتهم السياسية والدينية والفكرية. وبدأت تلك النبتة الطيبة الإسلامية تنمو في بلاد الأندلس وتزدهر وتعطي ثمارها، وجعلت من بلاد الأندلس منارة لأوروبا كلها، واشتاق كثير من أهل أوروبا للعيش فيها، ومنهم من قذف الله في قلبه نور الإيمان فأسلم، ومنهم من أحب بلاد المسلمين ولغتهم وثقافتهم مما دفع القيادات الأوروبية -السياسية والدينية- إلى محاولات كبيرة لتغييب شعوبهم في ظلام دامس وتضليلهم عن حقيقة الإسلام، ومع ذلك فقد فشل بعضها، يقول "بريفوت": "في كتابه -تكوين


(١) انظر: التفكير العلمي، فؤاد زكريا ص ١٣٤.
(٢) انظر تعليقًا مهمًا لمحمد قطب في كتابه: مذاهب فكرية معاصرة ص ٧٠ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>