للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسانية في القرن التاسع -تعلم الكثير من المسيحيين على علماء الإسلام. . . . ثم يروي أن رئيس دير كلوني. . كان يأسف لما شاهده أثناء إقامته بالأندلس من تهافت الطلبة -من فرنسا وألمانيا وإنجلترا- على مراكز العلم العربية، ويضيف بريفوت قائلًا: العلم هبة عظيمة الشأن جادت بها الحضارة العربية على العالم الحاضر" (١). فها هي أهم دول أوروبا تقذف بأبنائها إلى الأندلس مع أنها جزء صغير من بلاد المسلمين، ولكنها كانت الأقرب إليهم، فما بالك ببقية بلاد المسلمين.

ومثل هذا الوضع لن يُرضي قيادات أوروبا، فنجد ما نقله "برنارد لويس" من "عبارات الأسى والامتعاض التي يعبر بها "الفارو". . . . في منتصف القرن التاسع -الميلادي- عما يشعر به إزاء سلوك الشباب من أمته: كثيرون من أهل ملتي يقرؤون شعر العرب وقصصهم ويدرسون كتابات علماء الكلام والفلاسفة المسلمين، لا لينقضوا أقوالهم؛ وإنما ليتعلموا كيف يعبرون عن أنفسهم بشكل أكثر دقة وإتقانًا. . . . جميع الشباب النصراني من ذوي المواهب لا يعرفون سوى العربية والأدب العربي جديرًا بالإعجاب" (٢).

وإذا كانت الأندلس نقطة اتصال سلمية -نوعًا ما- فإن هناك نقطة اتصال أخرى غير سلمية وقعت أيام الحروب الصليبية التي أتاحت للنصارى على مدى قرنين الاطلاع على الإسلام وعلوم المسلمين، وحدث لهم تأثر بذلك.

إلا أن أصحاب الأهواء السياسية والدينية في أوروبا لم يحسنوا استقبال الإسلام، وقاموا بكل ما يستطيعون من أجل إعاقة تقدمه عن طريق الحروب أو التشويه الثقافي، لاسيّما مع حدوث ثلاث فواجع للكنيسة ومعتنقيها، وهي: سقوط الأندلس بأيدي المسلمين، ثم خروجهم من بلاد الشام بعد احتلال دام أكثر من مئتي عام الذي كان يمثّل تعويضًا عن خسارة الأندلس، ولكن الفاجعة الأكبر كانت بسقوط القسطنطينية. فهذه الأحداث أوغرت صدر سياسيي أوروبا ومثقفيها ورجال الكنيسة ضد المسلمين وإسلامهم، وقاموا برسم صورة مشوّهة


(١) كتاب "بيت الحكمة" تونس ص ٨٤، مقالة د. محمد السويسي: (انتقال العلوم العربية والحضارة الإسلامية إلى الغرب).
(٢) المرجع السابق ص ٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>