فيها باسم العلم ونظرياته، إما أن غاية ما عندهم أن العلم لم يدلّ على بعضها، وقد رأينا أن عدم الدليل المعين لا يعني عدم المدلول المعين. أو أن غاية ما يقولونه: إن العلم يقدم تصورًا جديدًا، إما مشاركًا عند بعضهم للتصور الديني أو مقدمًا عليه عند الغلاة منهم، وقد رأينا أن هذا الباب لا توجد فيه حقائق علمية، والنظريات فيه متنوعة، وفلسفة العلم المعاصرة تقول بأن ما نعرفه عن العالم أمر نسبي، وتدخل فيه الذات بوصفها مشاركًا في العرض مما يعني استحالة الموضوعية أو صعوبتها في مثل هذا الباب، واستحالة معرفة الحقيقة الموضوعية لمثل هذه الموضوعات أو صعوبتها، ومثل هذا النوع يقدم التصور الإِسلامي منهجه واضحًا: أن القطعي هو المقدم، والقطعي هنا هو خبر السماء، وما وجد من أبو اب محتملة وتثير مشكلات، فلابد من اجتماع العلماء المسلمين في البابين: العلم الشرعي والعلم التجريبي، لرفع الإشكال. وأخيرًا تجرُّؤهم بادعاء وجود ما ينقض الغيب ويثبت بطلانه من ميدان العلم، مستندين في ذلك على المعجزات، وقد رأينا أن هذا ناتج عن تصور مادي عن الطبيعة مع إلحاد أو انحراف في الربوبية، فضلًا عن أن فلسفة العلم المعاصرة بدأت تتذبذب بين الحتمية واللاحتمية، فهناك ظاهرة تثبت الحتمية وهناك أخرى تخرقها، والحق أحق أن يتبع، فمن عرف كمال قدرة الله وكمال ملك الله علم أن هذا الكون يسير بانتظام عجيب يدعو القلوب السليمة للتسليم بخالقها، ومن ذلك التسليم بتمام ملكه في أن يفعل ما يشاء سبحانه، ومن ذلك ما يحدثه من خرق للطبيعة أو للمألوف لحكمة يعلمها سبحانه.
وبعد أن عُرِض باب الإشكالات في باب العقيدة ينتقل البحث إلى باب آخر، هو باب الشريعة، حيث وقع فيه من قبل المتغربين انحرافات باسم العلم ونظريات.