للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلامهم ممن ليست له بصيرة، ولا عنده من العلوم الدينية ما يبطل هذا النوع، ولم يحصل ما زعموه من جلب الماديين إلى الهدى والدين، بل زادوهم إغراء في مذاهبهم، لما رأوا أمثال هؤلاء يحاولون إرجاع النصوص الدينية، ومعجزات الأنبياء، وأمور الغيب إلى علوم هؤلاء القاصرة على التجارب المدركات بالحواس، فيا عظم المصيبة! ويا شدة الجرم المزوق! ولكن ضعف البصيرة والإعجاب بزنادقة الدهريين أوجب الخضوع لأقوالهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله" (١).

وقال سيد قطب في تفسيره قوله -تعالى-: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (٦٩)} [الأنبياء: ٦٩]: "إن الذين يقيسون أعمال الله سبحانه إلى أعمال البشر هم الذين يسألون: كيف كان هذا؟ وكيف أمكن أن يكون؟ فأما الذين يدركون اختلاف الطبيعتين، واختلاف الأداتين، فإنهم لا يسألون أصلًا، ولا يحاولون أن يخلقوا تعليلًا علميًا أو غير علمي. فالمسألة ليست في هذا الميدان أصلًا. ليست في ميدان التعليل والتحليل بموازين البشر ومقاييس البشر. وكل منهج في تصور مثل هذه المعجزات غير منهج الإحالة إلى القدرة المطلقة هو منهج فاسد من أساسه؛ لأن أعمال الله غير خاضعة لمقاييس البشر وعلمهم القليل المحدود" (٢).

وفي خاتمة هذه الفقرة تلخيصٌ لها، فقد ظهر القول بتعارض العلم والدين، وقد استند أهل الإلحاد في الفكر الغربي على المعجزات، حيث أثّر فيهم الفكر المادي في تصور الطبيعة، وقد امتد هذا الأثر إلى المتغربين العرب، وقد جعلوا هذه المعارضة المزعومة سندًا للتكذيب بالدين أو لتحريفه، وقد ظهر هذا إما بسبب الإلحاد وإنكار وجود الرب سبحانه، أو بسبب الانحراف في حقيقة الربوبية، لاسيّما في باب القدرة الإلهية، وقد انساق المتغربون في هذا الباب، فوقع منهم انحراف عظيم، وتسبب فكرهم بخطر عقائدي عليهم وعلى المسلمين.

وبهذا نصل لنهاية هذا المبحث، وفيه ظهر أن الأمثلة التي وقع الانحراف


(١) تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام، الشيخ عبد الرحمن السعدي ص ١٨٤.
(٢) في ظلال القرآن ٤/ ٢٣٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>