للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما ذكرنا وفي المدنية أيضًا كما في سورة البقرة، حيث يقول -تعالى-: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (٢٤)} [البقرة: ٢٣ - ٢٤] فأخبرهم بأنهم عاجزون عن معارضته بمثله، وأنهم لا يفعلون ذلك في المستقبل أيضًا، وهذا وهم أفصح الخلق وأعلمهم بالبلاغة والشعر وقريض الكلام وضروبه، لكن جاءهم من الله ما لا قبل لأحد من البشرية من الكلام الفصيح البليغ، الوجيز، المحتوي على العلوم الكثيرة الصحيحة النافعة، والأخبار الصادقة عن الغيوب الماضية والآتية، والأحكام العادلة والمحكمة، كما قال -تعالى-: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: ١١٥]. . . . " (١).

ولكن وإن كانت معجزة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي تحدى بها هي القرآن فإن هناك آيات أخر عظيمة وقعت لنبينا - صلى الله عليه وسلم -، وجمعها العلماء في كتب مفردة، وهي مما يُصدّق بها المؤمن، ومن آمن بما وقع من آياتٍ لأنبياء الله السابقين فمثلها ما وقع لنبينا - صلى الله عليه وسلم - من آيات. أما ما وقع لهؤلاء المتغربين أو المتأثرين بالتغريب من إغفال لهذه الآيات أو من إنكار لها فهو من باب التأثر بالإنكار المادي للمعجزة، فقد ولّد عندهم حساسية تجاه المعجزة، فتجد أحدهم إذا وجد مخرجًا لرفضها سلكه، ولا شك أنه مع انحرافه الخطير فهو ليس كمن أعلن إلحاده الصرف. والبعض قد يُقدّم تنازلات من حسن نية وما علم أنه أخطأ في اجتهاده، وقد توسع الشيخ مصطفى صبري في مناقشتهم والرد عليهم في كتبه.

قال الشيخ السعدي: إن "بعض أهل العلم العصريين الذين يتظاهرون بنصر الإِسلام، والدخول مع هؤلاء الزنادقة في الجدال عنه يريدون باجتهادهم أو اغترارهم أن يطبقوا السنن الإلهية وأمور الآخرة على ما يعرفه العباد بحواسهم، ويدركونه بتجاربهم، فحرفوا لذلك المعجزات، وأنكروا الآيات البينات، ولم يستفيدوا إلا الضرر على أنفسهم، وعلى من قرأ كتاباتهم في هذه المباحث؛ إذ ضعف إيمانهم بالله بتحريفهم لمعجزات الأنبياء تحريفًا يؤول إلى إنكارها، وإنكارهم هذا النوع العظيم من قضاء الله وقدره، وضعف إيمان من وقف على


(١) فضائل القرآن، لابن كثير ص ٨ - ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>