للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخبر على ما ذكرنا.

مَسْألَةٌ: قالَ (١): ويبيت بها، فإن لم يبت بها فعليه دم شاة.

الفَضلُ

إذا فرغ من الصلاة، فالسنة أن يبيت بالمزدلفة حتى يطلع الفجر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الصلاتين بات حتى أصبح، فإن خرج منها قبل نصف الليل افتدى بشاة. وقال في "الإملاء" أحب أن يريق شاة، فحصل قولان، وهذه أربع مسائل فيها قولان من ترك طواف الوداع، هل يلزمه الدم أم لا؟ ومن دفع من عرفة قبل غروب الشمس، هل يلزمه الدم أم لا؟ ومن ترك المبيت بمزدلفة هل يلزمه الدم أم لا؟ ومن ترك المبيت بمنى هل يلزمه الدمّ أو لا؟ [١٣٥/ب] ولذلك لو ترك المزدلفة أصلًا، فلم ينزلها ولم يدخلها، هل يلزمه الدم؟ قولان:

أحدهما: يلزمه دم. وبه قال مالك وأحمد في رواية لقوله صلى الله عليه وسلم: "من ترك نسكًا فعليه دم.

والثاني: لا يلزمه شيء لأنه ترك مبيت بمكان، فلا يلزمه به دم كما لو ترك المبيت بمنى ليلة عرفة، وقال علقمة والشعبي والنخعي والأسود الوقوف بمزدلفة ركن لا يتمّ الحجّ إلا به، فمن فاته ذلك، فقد فاته الحجّ وصار إحرامه عمرة (٢). وبه قال أبو عبد الرحمن الشافعي ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، ويحكى عن ابن جرير واحتجّوا بقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٨]، والأمر على الوجوب ولخبر عروة بن مضرس الطائي وبقوله صلى الله عليه وسلم: "من ترك المبيت بمزدلفة فلا حجّ له" (٣). وهذا غلط لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك عرفة فقد أدرك الحجّ". وأما ما ذكروا فمحمول على الاستحباب بدليل ما ذكرنا.

ولو خرج من مزدلفة في النصف الثاني من الليل، فلا دم عليه لأن المقصود الكون بالمزدلفة في النصف الثاني من الليل، ولهذا نقول إنه إذا جاء من عرفات بعد نصف الليل، وحصل بالمزدلفة ساعة في النصف الأخير لم يلزمه الدم، وآخر وقتها ما دون طلوع الشمس نصّ عليه في "القديم" و "الإملاء" هكذا ذكر في البندنيجي، وقال في "الحاوي" (٤): لو دفع من عرفة ليلًا وحصل بمزدلفة بعد نصف الليل يلزمه دم لأنه لم يبت بها إلا أقلّ الليل. وهذا غريب، وقال أبو حنيفة: إن دفع منها بعد النصف الأول من غير عذر عامدًا يلزمه دم، وإن غلط في الوقت أو كان له عذر فدفع، فلا شيء عليه. قال: والمأخوذ عليه أن يكون فيها بعد طلوع الفجر، قبل طلوع الشمس، [١٣٦/أ] وهذا غلط لما روى هشام بن عروة عن أبيه، قال: دار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمّ


(١) انظر الأم (٢/ ٨٤).
(٢) قال ابن حجر: وقال عطاء، والزهري، وقتادة، والشافعي، والكوفيون، وإسحاق، عليه دم، قالوا: ومن بات بها لم يجز له الدفع قبل النصف. وقال مالك: إن مر بها فلم ينزل فعليه دم، وإن نزل فلا دم عليه متى دفع. انظر فتح الباري (٣/ ٦١٦).
(٣) قال ابن حجر: لم أجده. وقال النووي: ليس بثابت ولا معروف. انظر تلخيص الحبير (١٠٥٣).
(٤) انظر الحاوي للماوردي (٤/ ١٧٧، ١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>