للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد أضربن مع من أضرب فلم يمارسن ما كنّ يعملنه وتاب كثير منهنّ! والتبرعات؟ ألم يكن الناس يدفعونها من غير أن يطلبها منهم أحد؟ ألم يكونوا يتسابقون إلى دفعها؟ ألم يرفض كثيرون من الناس أن يأخذوا إعانة ويقولوا: أعطوها لغيرنا ممّن هو أحوج إليها، نحن نجد طعاماً هذا اليوم. لقد وقع هذا ورأيته مرّات وسمعت به، فأيّ وطنية أعظم من هذه الوطنية وأيّ اتحاد أوثق من هذا الاتحاد؟

ألم يفعل الناس الأفاعيل؟ ألم يهجموا على النار والحديد؟ ألم يقاوموا بالحجارة أروع وأبشع ما وصلَت إليه الحضارة من ضروب التقتيل والتدمير والإهلاك؟ ألم يدوسوا على جثة القتيل ثم يمشوا قدماً إلى الأمام؟ ألم يضعوا أرواحهم في أكُفّهم ويبيعوها في سبيل الله؟

وأطفال دمشق، مَن رأى كالأطفال؟ من فَعَل فِعْل الأطفال؟ من ذا الذي لم يسمع بأعمال الأطفال ويرَ مظاهرات الأطفال؟ لقد رأينا طفلاً يسيل الدم من رأسه، رأيتُه أنا وقد وضع يسراه على رأسه يمنع بها الدم وأخذ الحجر بيمينه يضرب به جند المستعمرين، وعمره أقلّ من عشر سنين! لقد حدّثني أحد الأصدقاء أنه كان ماراً في سوق مدحت باشا، وهو من الأسواق التجارية الكبيرة في دمشق، فسأل الأطفال وكانوا مرابطين فيه يحرسونه: هل تسمحون لي يا أولادي أن أمرّ؟ قالوا: إذا كنت تستطيع أن تمشي بين العسكر مرفوع الرأس وتحملق فيهم فمر، وإذا كنت تخفض رأسك وتنحني وتخاف فارجع.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>