لقد كتبت مقالة تناقلَتها اثنتان وعشرون جريدة من جرائد تلك الأيام (وأكثرها كان عندي) عنوانها: «أطفال دمشق»، نُشرت في مجلّة الرسالة في تلك السنة (أي سنة ١٩٣٥)(١) قلت فيها:
كانت دمشق يوم الجمعة صابرة تتجرّع حزنها على إبراهيم (إبراهيم هنانو، الزعيم الوطني الحلبيّ الذي كان أول من ثار على الفرنسيين في بداية انتدابهم على الشام)، وكانت في صمت رهيب فلم تحرّك ساكناً حتى سمعَت صوتاً هزّ دمشق وزلزلها يقول: اختطَفوا فخري البارودي.
فنفد الصبر المختزَن وانفجر الغضب المكتوم، لا لأنه فخري البارودي بل لأن اختطافه كان كالقشّة التي زعموا أنها قصمت ظهر البعير والقطرة التي فاضت منها الكأس، والقطرة قطرة ولكن الكأس كانت ملأى. وأقبل أبناء دمشق بأيديهم وأقبلَت هذه الجيوش بحديدها ونارها، وكانت المعارك التي يصطرع فيها الحقّ والقوّة، والدم والنار، والصدور والحديد، فبينما معركة من هذه المعارك على أشدّ ما تكون عليه وإذا ... إذا ماذا؟ ليس على وجه الأرض من يستطيع أن يقدّر ماذا كان إلاّ هؤلاء الشاميون الذين رأوا ذلك بأعينهم، وكنت أنا ممّن رأى ذلك بعينه، وهؤلاء الفرنسيون الذين أكبروا جميعاً هذه البطولة التي لم يروِ مثلَها تاريخ.
خمسون من الأطفال لا تتجاوز سنّ أكبرهم التاسعة، أطفال مدرسة حضانة ينبعون من بين الناس، يخرجون من بين