للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقي من ذلك اليوم؟ بقيَت القصور ولكن ذهبَت الخلافة وباد المجد، بَيد أن ذلك لن يدوم، إن طريق الزمن لا يزال مسلوكاً. ثم صمتت وعادت تجري كما كانت تجري، ولم تكترث.

وأنصت القمر وأطلّ ينظر، فلما رأى العام الراحل قال: لقد رأيت ملايين مثله، وقد مللت مرّ السنين وكرّ العصور، فما لي وله؟ وعاد يفيض نوره على الكون ولم يكترث، وبقيت وحدي.

بقيت وحيداً فنظرت في نفسي. لقد صحبت تسعاً وعشرين قافلة من قوافل الزمان، فهل اقتربت من آمالي؟ هل دنوت من الغاية التي أسعى إليها في سفري؟ ثم سألت نفسي: ما هي الغاية التي تسعين إليها؟ أتسيرين إلى غير ما نهاية؟ كلّما مرّ عام تعلّقتِ به فسرتِ معه حتى يضيق بك عام من الأعوام فيقذف بك إلى وادي الموت. ألا تعلمين إلى أين المسير؟

والمقالة طويلة، تجدونها في كتابي «صور وخواطر».

* * *

وفي مستهلّ عام ١٩٣٨ كنت مدرّساً في الكلّية الشرعية في بيروت التي تُدعى الآن «أزهر لبنان»، فكتبت مقالة طويلة فيها فلسفة وفيها فكر وفيها شعور، وفيها كلام جميل فارغ من الشعور ومن الفكر. وصفت فيها كيف دقّت الساعة آخر دقاتها في عام ١٩٣٧ وانتهت بانتهائها الدروس في ذلك اليوم، فابتدر الطلابُ الأبوابَ وبقيت وحدي أصغي إلى خرير نهر الزمان من وراء جدار الصمت.

<<  <  ج: ص:  >  >>