للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ونسأله أن يجعل ما قاست درساً نافعاً لها، درساً كافياً لا تحتاج إلى غيره، تحسن الاستفادة منه والانتفاع به، وأن يكشف عنها الغمّة وأن يعيد إليها الأمن والسلام والنعمة.

أعود إلى المقالة: مشيت وحدي في ساحة البرج نصف الليل فلم أجد إلاّ أعقاب السابلة، ولم أجد إلاّ السكارى وأنصاف السكارى، فضجرت وضاق صدري وملأ نفسي الشعور بالوحشة، وأحسست فراغاً مخيفاً، فتركت ميدان البرج يضحك بالكهرباء ويرقص على الألحان التي تنسكب على الميدان من ذرى البنى الرفيعة فتغمره بجوّ الفتون، وتركت الناس يحتفلون بعيد رأس السنة، لا يتأملون معاني الوجود وفلسفة الوجود وحقيقة الزمان، بل يبتغون المُتَع الرخيصة واللّذائذ الواطية في هذه المراقص الخليعة الغارقة في الخمر والعهر. ويمّمت شطر البحر، أمشي في الطرق المظلمة المنعزلة الخالية، لعلّي حين فقدت الأنس بالناس أجد الأنس بالطبيعة.

نفضت يدي من البشر ولجأت إليها لأجد عندها أُنس نفسي وراحة قلبي، أنظر إليها فتمّحى هذه الأبعاد والمسافات التي تفصل بيني وبين أهلي، وتبدو لعيني حافلة بالألوان، ألوان الطبيعة التي لا يستطيع أبرع مصوّر أن يجمعها في لوحة. ومَن لَعَمْري يصوّر ألوان الغروب أو ألوان الزهر في الروض، أو يثبتها على لوحة بالألفاظ والأوزان أو بالأصبغة والألوان؟

والتصوير والأدب لغتان تعبّران عن الحقيقة الواحدة؛ إن

<<  <  ج: ص:  >  >>